فاروق يوسف يكتب:

الدرس الإيراني وسياسة حافة الهاوية

في أيام معدودات تم تدمير ما قضت إيران سنوات طويلة في إنشائه وأنفقت عليه أموالا طائلة، لو أنها لا تزال موجودة لما وصل التومان الإيراني إلى وضعه الرث الحالي ولغزت إيران باستثماراتها المالية العالم ولكان لها موقع محترم بين الدول التي تساهم في تدعيم الاقتصاد العالمي.

غير أن العقلية المهووسة بالتسلح جريا وراء شعارات استعمارية باطلة في مقدمتها يقف شعار تصدير الثورة الذي ينطوي على مطامع في التوسع على حساب الدول المجاورة وتهديد أمنها واستقرارها فتحت شهية الإيرانيين على تطوير برامج التسلح تحقيقا لرغبتهم في الدفاع عما ظنوه حقا تاريخيا يتمثل في استعادة الإمبراطورية الفارسية.

كان ذلك النهج منسجما مع ما اعتبره نظام آيات الله واجبا دينيا يملي عليهم حق الوصاية على شيعة العالم العربي عن طريق احتلال الدول التي ساعدهم الظرف التاريخي على التمدد في أراضيها وصولا إلى قناعة ترسخت في خطابهم السياسي مفادها أن دولة الولي الفقيه صارت تمتد من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر. ذلك ما يتناسب مع الغرور الفارسي التقليدي الذي تم إشباعه عن طريق صمت دولي استمر لسنوات.

لقد لعب الاتفاق النووي الذي ضغط الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل إنجاحه الدور الأكبر في دفع إيران إلى حافة الهاوية. حصلت إيران على أموال هائلة لقاء توقيعها على الاتفاق الذي لم يكن خامنئي راغبا في التوقيع عليه. وكما كان متوقعا فقد استعملت إيران تلك الأموال وأموالا مضافة في توسيع مشاريع التسلح وهنا كان مقتلها.

وليس بعيدا عن منطق المؤامرة أن الغرب ترك إيران سادرة في غيها كما يُقال، بل إنه سمح لها بالتوسع والهيمنة على دول عربية لكي تشعر بقيمة ما فعلته على مستوى التسلح وبأهمية أن تستمر في تطوير برامج تسلحها وصولا إلى النقطة التي لا يمكن للعالم أن يعترض على ما تفعله.

طبعا لم يشعر الإيرانيون أنهم يرتكبون الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد السوفييتي من قبل حيث تُرك يهرول وحده لاهثا إلى أن سقط. لم تسمح فكرتهم عن حربهم ضد العالم وحرب العالم المتوقعة عليهم لهم بلحظة تأمل لمراجعة مسارهم السياسي الذي لو تمكنوا من تصحيحه لما احتاجوا إلى ذلك العناء ولما أنفقوا أموالهم عبثا في مجال سيظل الغرب متوفقا عليهم فيه.

لم يكن الإيرانيون مضطرين إلى إقامة منشآتهم النووية ومصانع الصواريخ البالستية لو أنهم أعادوا النظر في سياساتهم الخارجية والتفتوا إلى الداخل الإيراني الذي تُرك مهملا يعبث به الفقهاء والحرس الثوري الذي استولى على الجزء الأكبر من البازار الذي يرمز وجوده المستقل إلى روح الشخصية الإيرانية. وتلك جريمة سيدفع ثمنها النظام الإيراني بعد حين من خلال انهيار سعر صرف العملة وتزايد عدد العاطلين عن العمل.

مقابل كل خطوة جديدة في مشاريع التسلح كان هناك شيء أساس في الحياة الإيرانية ينهدم. ولم يكن ذلك مصدر إزعاج لمخططي السياسة في إيران. ذلك لأنه لا يدخل في حساباتهم (الإستراتيجية) التي ظنوا أنها ستصمد ما دامت مصانعهم قادرة على إنتاج الصواريخ البالستية وسواها من الأسلحة.

وكما يبدو أن صانعي القرار في الولايات المتحدة قد وصلوا إلى اللحظة الحاسمة التي يجب فيها الانقضاض على مشاريع التسلح الإيرانية بمختلف أنواعها. لقد انتهت اللعبة مع انهيار الاقتصاد الإيراني.

بالنسبة لرعاة المشروع الإيراني المجهولين فإن ذلك المشروع قد حقق الأغراض المطلوبة منه وصار محوه من الخريطة السياسية أمرا ضروريا لذلك صار لزاما أن يتم التخلص من المنشآت النووية ومصانع الصواريخ البالستية وكل ما يتبعها من معامل في مختلف أنحاء إيران.

لن تستعيد إيران قدرتها على التسلح بعد أن تقطعت السبل بين مصانع تسليحها. إنها اليوم دولة عاجزة عسكريا. ما يمتلكه الحرس الثوري من سلاح قد لا يكفي ليوم واحد من حرب ستسحقها.

لقد وصلت إيران إلى حافة الهاوية ولم يعد أمامها سوى الاستسلام.