فاروق يوسف يكتب:
مَن ينزع سلاح مَن في العراق؟
عام 2014 حين أُشيع أن الجيش العراقي هُزم في نينوى واحتل تنظيم داعش الموصل وهي مسألة لا تزال مبهمة، استولى التنظيم الإرهابي على أسلحة أميركية حديثة كانت القوات المسلحة العراقية قد استلمتها لتوها وهي ذات قيمة مادية عالية. لم تُصدم الولايات المتحدة بما حدث ولم توجه اللوم إلى حكومة نوري المالكي التي تحوم حولها الشبهات في أنها أصدرت الأوامر بالانسحاب.
نزع تنظيم داعش يومها السلاح من الجيش العراقي.
أما حين أُعلن عن تأسيس الحشد الشعبي وهو عبارة عن تجميع فسيفسائي لميليشيات شيعية كانت موجودة أصلا على الأرض يدين معظمها بالولاء لإيران وكانت مسلحة فقد جرى فتح مخازن سلاح الجيش العراقي لها وكله سلاح أميركي لتساهم في معركة جرى تأجيلها لأسباب غير معروفة ثلاث سنوات كان الهدف منها دحر التنظيم الإرهابي، لا في الموصل وحدها بل وأيضا في محافظات الغرب الغربي التي جرى احتلالها بيسر.
لقد انتهت المحافظات التي احتلها تنظيم داعش إلى حطام لا تزال الميليشيات تمنع إعادة إعمار عدد من مدنها أو عودة سكانها إليها، بسبب تحويلها إلى معسكرات ومخازن لإسلحتها. غير أن ذلك لم يكن كافيا فتسللت الميليشيات بأسلحتها إلى المدن ذات الكثافة الشيعية، لتحول مدارسها ومبانيها العامة إلى مخازن لأسلحتها.
ولأن الميليشيات هي كيانات عقائدية غير منضبطة بسبب أن الجهة التي تشرف عليها وهي الحرس الثوري الإيراني لا ترى ضرورة في انضباطها على المستوى الوطني العراقي فقد صار السلاح متاحا للاستعمال الشخصي. لقد شهدت مدن الجنوب معارك بين عشائر استعمل فيها سلاح ثقيل ما كان في إمكان الأفراد الحصول عليه إلا عن طريق الدولة، أو عن طريق جهة هي أقوى من الدولة وكانت تلك الجهة هي الحشد الشعبي.
لم يكن هناك ما يمنع إقامة سوق خفية وعلنية للسلاح. وهي سوق صارت بضائعها رائجة منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 غير أنها صارت أكثر رواجا بعد أن نزعت ميليشيات الحشد الشعبي السلاح الحديث من الجيش العراقي. وهو ما جعل الحيازة على السلاح بكل أنواعه ممكنة، بحجة الدفاع عن الطائفة والحفاظ على المذهب في مواجهة الهجمة التكفيرية التي يشنها تنظيم داعش الإرهابي.
في كل المراحل التي أعقبت ظهور داعش واحتلال الموصل وتأسيس الحشد الشعبي كانت الدولة عاجزة عن استعادة سلاح جيشها من الميليشيات التي كانت تفرض وجودها انطلاقا من كونها قوة ضاربة لا تزال الحاجة إليها ماسة في ظل استمرار خطر التنظيم الإرهابي الذي صار الحديث عن خلاياه النائمة يقض مضجع العراقيين ويمنع الدولة من ضبط السلاح الذي لا يقع تحت سيطرتها بحيث يكون معلوما لديها متى وأين يُستعمل ومَن يستعمله.
أما حين تم الإعلان عن ضم الميليشيات إلى القوات المسلحة العراقية وأنها صارت تخضع لأوامر القائد الأعلى لتلك القوات فقد صار لزاما على الدولة أن تقوم بنزع السلاح عن الأفراد والجهات التي لا تمت بصلة إلى الميليشيات التي قررت أن تكون تحت إمرة الدولة. تلك مسألة تبدو اليوم صعبة غير أنني أتذكر أن الدولة في سبعينات القرن العشرين قررت أن تجمع السلاح غير المرخص فلم يستغرق الأمر إلا يوما واحدا.
أعتقد أن نزع السلاح في العراق هو موضوع جوهري. لن يطمئن السكان المدنيون إلى سلامتهم إلا إذا تمكنت الدولة من إفراغ المدارس من الصواريخ وتم سحب السلاح من العشائر وتم إلزام مقاتلي الحشد الشعبي بعدم استعمال السلاح باعتباره سلاحا شخصيا.
ذلك هو الممكن في عراق، نجاته من الهلاك معجزة.