محمد مرشد عقابي يكتب لـ(اليوم الثامن):
مكانة القلم وقيمة من يحمله
القلم...هو سلاح العصر وهو الأداة التي من خلالها تبنى اساسات رقي وتطور الشعوب والمجتمعات في العالم، وقيمة القلم تكمن فيما يخطه من أحرف وكلمات واسطر، ويظل هذا القلم راقياً كلما كان صاحبه يحمل فكراً تنويرياً متوازناً ووسطياً وحراً ونزيهاً وموضوعياً ومحايداً وشريفاً ووطنياً، وطالما كان من يحمل القلم متحرراً من قيود العصبية والمذهبية والطائفية والسلالية ويقف دوماً وأبداً مع القضايا العادلة ومع القيم والمبادئ الفاضلة والإيجابية كلما أرتقى الى فضاءات العلى وآفاق السمو والرفعة، وتسقط هيبة هذا القلم كلما ابتعد صاحبه عن القيم والمبادئ الفاضلة وعن الثوابت الدينية والوطنية والإنسانية وانجر خلف الإغراءات والإملاءات والقضايا الغير عادلة والغير ايجابية.
ويظل القلم حراً شريفاً ومشعلاً تنويرياً متى ما كان من يحمله يصطف في موقف الدفاع عن الحق وعن قيم الحرية والعدالة والمساواة، ومؤمناً بهذه الثوابث التي خصها الله تعالى للإنسان واكرمه بها في هذه الدنيا، وتتهاوى قيمة القلم وتسقط هيبة صاحبه عندما يقع في مستنقع العبودية والذل والتطبيل والتهليل لذوي الجأه والسلطان او عندما يخط الأحرف لتمجيد التسلط والإستبداد والكهنوت وخلق التبريرات للفساد والإضطاد.
فالقلم الموضوعي...يبقى رونقه يزهو مادام صاحبه يقف في خندق الحق والدفاع عن قيم الوجود والإتزان والإعتدال والوسطية ونبذ الغلو والتطرف ومؤمناً بأن التعدد والتنوع والإختلاف سنة كونية من سنن الله تعالى في خلقه وعندما يمتنع عن إصدار الأحكام والتعميمات المسبقه على الأشخاص او المجتمعات او الدول والأمم او الحضارات، كما يسقط هذا القلم لحظة وقوع صاحبه في مستنقع التعصب الأعمى بكافة صوره واشكاله.
اما القلم الفاضل...هو ذلك الذي يقف في جبهة الدفاع عن الفضيلة والقيم الأخلاقية النبيلة والفاضلة ويشجع على انتشارها في أوساط المجتمعات والشعوب، لكنه يسقط عندما يقع في مستنقع الرذيلة والسب والشتم والتهجم والقذف والإساءة والتشهير والتجريح بالآخرين او في الفساد الآخلاقي وفي التشجيع على انتشار الجريمة والرذيلة وتفشي الظواهر المخلة بالأمن والإستقرار والسكينة العامة.
والقلم الكريم...فهو ذاك المدافع عن حقوق وكرامة البشر والذي يؤمن بأن الإنسان مخلوق مكرم لا يجوز إهانته او إستعباده او استحقاره او إذلاله بصرف النظر عن لونه او جنسه او ديانته او عرقه، وتسقط هيبة هذا النوع من الأقلام عندما يقع صاحبه في مستنقع التمييز العنصري والطبقي والسلالي والمذهبي والعرقي والطائفي الذي يصادر على الناس حقهم في العيش بعزة وكرامة ويبرر استحقارهم والتمايز ضدهم بحجج وآهية وزائفة لا أساس لها من الصحة.
اما القلم العقلاني...فهو القلم الذي يسخر حبره لتنمية قدرات العقل البشري ويشجع على النبوغ والإختراع والإبتكار ويبذل الجهد لتفعيل هذه المهارات والاعمال، كما انه يظل مؤمناً بان التفكير والإجتهاد واجب من واجبات الدين وبان حدود العقل البشري تظل محصوره في العالم المادي المحسوس ويؤمن بان العالم الآخر ليس من اختصاصه وهو خارج عن نطاق قدراته وامكانياته وغير مطالب بالتفكير فيه حتى لا يتوه ويضل، ويسقط هذا الصنف من الأقلام عندما يقع صاحبه في مستنقع التقليد الآعمى الذي يقود الى الجمود الفكري وتعطيل حركة العقل وتقييده بافكار واجتهادات السابقين، وعندما يقوم بتمجيد الخرافات والأساطير ويخوض في عالم الغيب الخارج عن قدراته وامكانياته وملكاته.
والأقلام النزيهة...فهي تلك التي تدافع عن الحقوق العامة والمصالح العليا للمجتمع والوطن، تلك الأقلام التي تترفع عن تقديم المصالح الشخصية والحزبية والجهوية والفئوية والمناطقية على المصالح العامة، هذه الأقلام تسقط عندما يقع اصحابها في مستنقع الأنانية وحب الذات وحب المادة والشهرة والغرور الذي يقوده الى تقديم المصلحة الذاتية الآنية على المصلحة العامة.
القلم العادل...وهو القلم الذي يكرس مداده لمحاربة الباطل والوقوف الى جانب المظلومين والمكلومين والمستضعفين، تجده يطالب دوماً بوجوب تحقيق العداله لجميع الناس في كافة الأحوال والظروف، لكنه يسقط عندما يقع حامله في مستنقع الظلم الذي يقوده الى الدفاع عن الظلمة والبغاة والفاسدين او حين الوقوف الى جانب الأقوياء والجبابرة وتبرير جرائمهم وتسلطهم وبطشهم وظلمهم وفسادهم وعندما يدافع عن الباطل ويتقاضى عن مصادرة الحقوق والحريات.
اما القلم الشوروي...فهو ذلك القلم الذي يدافع عن قيم الشورى والديمقراطية ويؤمن بأن الشورى واجب من واجبات الدين وحق من حقوق الأمة المحمدية المسلمة وليست فضلاً او منه او صدقة وحسنة من الحاكم او السلطان، وهذه النوعية من الأقلام تسقط هيبتها وتفقد قيمتها عندما يقع صاحبها في مستنقع الإستبداد والتسلط الذي يقود الى تسخير النفس والذات في خدمة السلطة المستبدة خالقاً الأعذار التي تبرر تسلطها واستبدادها وقمعها لأبناء الشعب.
والقلم الحر...فهو ذاك القلم الذي يؤمن بأن من يستحق التقديس والتبجيل والتمجيد والتعظيم والتأليه هو الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ودون سواه، ويسقط هذا القلم وصاحبه عندما يقع في مستنقع تقديس وتعظيم وتمجيد البشر أيا كانوا او كانت مكانتهم فالبشر يظل بشراً لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً.
اما القلم الوطني...هو القلم الذي يظل واقفاً في خندق الدفاع عن الوطن وعزته وكرامته وسيادته وإستقلاله ضد كل من تسول له نفسه المساس بحرمته او التدخل في شؤونه، فهو القلم الذي يؤمن بانه لا توجد ابداً مبررات أو أعذار او ذرائع مهما كانت تبرر التدخل السلبي في شؤون البلد، هذا القلم تسقط هيبته حينما يقع في مستنقع العمالة والتبعية للخارج وهو ما يقوده للمتاجرة بقضايا وطنه العادلة وتبرير التدخل في شئون بلده الداخلية واعتناق الأفكار والمشاريع والأجندة الخارجية الدخيلة على أفكار وثقافة مجتمعه وحضارته وتأريخه بحجج واعذار واهية وزائفه.
والقلم الصادق...هو القلم الملتزم بالمصداقية وقول الصدق في كل الأحوال، يناضل ويكافح لأجل اثبات الحق والصدق بإعتبار ذلك واجب من الواجبات التي فرضها الدين الإسلامي ومن اساسيات تعاليمه الحنيفه، وهذا النوع من الأقلام يهوي الى مستنقع الكذب والتضليل ونشر الشائعات عندما يتجرد صاحبه من القيم النبيلة وهو الشيء الذي يقود للإستخفاف بعقول الناس والتلاعب بافكارهم وتزييف وقلب الحقائق خدمة لأهداف ومآرب وغايات تخدم الحاكم.
اما القلم الأمين...فهو ذاك الذي يلتزم بقيم ومبادئ الأمانة والمسؤولية في نقل الصورة الحقيقية للواقع كما هي للقارئ او المتابع او المشاهد، ويسقط هذا القلم عندما يقع صاحبه في مستنقع المغالطة الذي يقود الى تزييف الحقيقة ونقلها حسب المزاج والرغبة والهوى.
وتظل الأقلام راقية وايجابية مادام من يحملونها شرفاء ونزهاء وأوفياء ومخلصون للمهمة ولأمانة الحرف والكلمة ممن يتشبثون بالقيم والمبادئ والأخلاق الايجابية التي تعود بالخير والصلاح والسلام والمحبة والسعادة للإنسانية جمعاء، وتتساقط كل الأقلام عندما يقع حاملوها في مستنقع الفساد ويجندون انفسهم طواعية او بإكراه للدفاع عن المنكر والباطل وعن القيم السلبية وغير السوية التي تعود بالشر والفساد وتجلب المصائب والويلات والحروب والنكبات والكوراث وتغذي الصراعات وتذكي الكراهية والفتن بين الخلق، لذا لكل من يحمل القلم حرية ان يضع نفسه حيث يشاء.