فاروق يوسف يكتب:

إسرائيل محظوظة بعملائها اللبنانيين الشرفاء

“الحل في لبنان يبدأ من نزع سلاح حزب الله وإخلاء المدن وبالأخص بيروت من مخازن المواد الكيمياوية القابلة للانفجار والمنتشرة بين الأحياء السكنية”. تلك هي خلاصة الدعوة التي توجه بها البطريرك الماروني بشارة الراعي وهي الدعوة التي اعتبرتها جوقة الممانعة والمقاومة الإعلامية عمالة صريحة لإسرائيل وإن كان الراعي لم يذكر إسرائيل بالاسم.

كل حديث عن سلاح فالت يعني بالضرورة سلاح حزب الله فما من طرف يملك سلاحا يمكن أن يكون خطرا على حياة اللبنانيين سوى حزب الله الذي يعتبر أن كل ما قاله اللبنانيون حول نزع ذلك السلاح في أوقات سابقة إنما يقع في مصلحة إسرائيل. ذلك استنتاج يستقوي بالسلاح أكثر مما يعبر عن الحقيقة. وهو لا يفتح جدلا من شأنه أن يعيد لبنان إلى سويته الوطنية بقدر ما يُعلي من شأن سلاح لا يمكن التنبؤ بالجهة التي يستهدفها وإن كان اللبنانيون يجمعون على أن لبنان المستقل صار ذلك الهدف.

العمالة لإسرائيل صارت هي التهمة الجاهزة التي توجه لكل مَن يضع حزب الله موضع مساءلة. غير أن الحقائق كلها تؤكد أن حزب الله إن استعمل سلاحه ضد إسرائيل فإنه لن يتخلى عن قواعد الاشتباك التي سيراعي من خلالها عدم المساس بأرواح الإسرائيليين أما إذا انفجر أحد مخازن أسلحته كما حدث في ميناء بيروت فإنه سيقتل مئات اللبنانيين ويشرد مئات الألوف منهم بعد أن يهدم جزءا من المدينة لن يتم استعادته حتى لو بدأت حملة إعمار لا أحد يدري ما نوعها ومَن سيستفيد منها.

من الطبيعي أن تنزعج إسرائيل لو سقط صاروخ في وقت غير متوقع على أراضيها فهي مسؤولة عن الصحة النفسية لمواطنيها. لكن حزب الله لن يكون مهتما لو قضي على نصف سكان بيروت أو سُلموا للخيام بعد أن تكون بيوتهم قد هُدمت.

ذلك الفرق بين الدولة واللادولة.

حين يدافع حزب الله عن سلاحه ويعتبره جزءا من الحقيقة اليومية اللبنانية فإنه يدعو إلى قيام اللادولة البديل الواقعي عن الدولة وهو بديل لا يؤمن بالقانون الذي أقرته الدولة. لذلك فإنه يعتبر مَن يدافع عن سلامة لبنان وحرية وكرامة مواطنيه عميلا لإسرائيل، في حين تكون العمالة العلنية لإيران نوعا من المقاومة التي ليس مسموحا السؤال عن الجهة التي تقاومها والأهداف التي تصبو إلى الوصول إليها.

تلك مقاومة ليس للبنانيين حصة في أرباحها بل إنهم يتحملون خسائرها فقط كما حدث عام 2006. يوم بلع لبنان نتائج هزيمة حرب لم يكن طرفا فيها.

لقد سبق للبطريرك الماروني أن دعا إلى حياد لبنان وهو ما سمي يومها بالحياد الإسرائيلي واليوم إذ يدعو إلى إفراغ المخازن السرية من المواد الكيمياوية فإنه لا يخرج عن نطاق عمالته التي لا تحتاج إلى أدلة تثبتها.

أن يكون المرء لبنانيا وأن يدعو إلى الحفاظ على سلامة اللبنانيين بعد الكارثة التي ضربت بيروت بسبب أطنان نترات الأمونيوم التي كانت جهة إرهابية قد خزنتها في ميناء بيروت فإنه سيكون عميلا لإسرائيل.

أعتقد أن إسرائيل محظوظة. الوطنية الحقة في لبنان هي عنوان العمالة لإسرائيل. مَن يحب لبنان ويدعو إلى ألا يكون ولاية إيرانية هو جاسوس إسرائيلي. مَن يدعو إلى التمسك بالدولة والقانون في لبنان إنما هو مناصر لإسرائيل.

فإذا كان الراعي وهو بطريرك الطائفة المارونية عميلا لإسرائيل فإن ذلك لا يعني أن أبناء الطائفة المارونية وحدهم عملاء بل إن جميع اللبنانيين الذي لا يوالون حزب الله هم كذلك.

البطريرك هو اللبناني الآخر وهو العدو الذي سينفجر به سلاح حزب الله في أي وقت.