إبتسم أنت في مصفوفة إذلال الإنسان!
حزمت حقائبي و اتجهت مرة أخرى مغادرا مدينتي المنكوبة عدن إلى سئيون، و ذلك بعد ان حجزت تذكرة على طيران السعيدة المتجهة إلى الخرطوم..
حيث و إن مدينتي الحزينة عدن لازالت تداس بجزمات الفوضى و المزاجية و العشوائية...
فبالإضافة إلى الذل المهين الذي يصادفنا في كل مرة نطلع بها من بيوتنا، اما على شكل مجاري طافحة تصل إلى ابواب منازلنا نتخطاها قفزا و نخوضها حينا، و قد رأى محدثي نساء يكشفن عن ساقهن ليس لأنهن خفن ان يضعن قدمهن على زجاج بل ليخوضن أمواج البلاليع، التي تهين إنسانيتنا و تنتهك أبسط حقوقنا في الحصول على بيئة نظيفة و صحية و حياة كريمة قد تخطاها إنسان القرون الوسطى،
نهان و نحن نقف في طوابير طويلة ليست لها اخر امام محطات الوقود، و أحياناً كثيرة لا نحصل فيها على الوقود نصاب بخيبة أمل و إنكسار في صميم الكرامة...
نهان عندما نقف في طوابير طويلة تحت لهيب أشعة الشمس للحصول على راتب يسد جوعنا بعد أيام عديدة من المحاولات الفاشلة...
نتعرض لإابتزاز في كل احتياجاتنا...نعاني من غلاء الأسعار مع فقرنا و لا حياء لمسؤول خامل لا ينشط و لا يتلهف الى حين يحين موعد راتبه الجزيل و المنتظم بالطبع...
نتعرض للبلطجة اليومية حتى و نحن نرضخ لكل هذا التعذيب اليومي...
و عندما ننهك عضليا و نفسيا نعود إلى منازلنا ننشد الراحة، المكان الوحيد الذي نأوي اليه هروبا من كل تلك المعاناة و لكن حتى الى ركننا الشديد تابى تلك القوى المتوحشة إلا ان تلاحقنا بسياط الذل و الظلم..
تنقطع الكهرباء تنتابنا حالات الإنكسار و الإحباط و الشعور بقهر الرجال، نعحز عن مساعدة أطفالنا الذين يصرخون و ينظرون الينا بعيون دامعة مستغيثة لإنقاذهم و تبريد جلودهم الملتهبة بأنواع الأمراض الجلدية التي تتسبها حرارة الجو و رطوبته، يبكون ضيقا و ضعفا و جوعا و مرض...
ذل مهين يفوق قدرة الحيوان على تحمله...
تنكسر المسكينة عدن بجحود عجيب و دون تقدير لصمود ابنائها الذين استشهدوا و الذين خسروا اطرافهم و الذين فقدوا لقمة عفيفة تعزهم و هم من قهر جحافل الحشد الحوثوعفاشي..
مسكينة انت يا عدن، حتى مطارها الذي يغلق تارة و يفتح تارةً أخرى كل مرة لسبب يختلف عن سابقه حسب مزاج احدهم، ثم يتكرر و تعاد جولة الأعذار و المبررات، التي لا نستطيع فهمها نحن ابناؤها الذين ذبلت سنون اعمارنا في ازقتها و رمالها و اختلطت أملاح أجسادنا بأملاح بحورها و ساح عرقنا و سأل دمنا فتشبعت منه تربتها، و امتزج غبارها و مضغناه مع لقمتنا..
و بعد رحلة مضنية على متن حافلة انطلقت من الحبيبة عدن فجرا إلى سيئون وصلت إلى الفندف عند منتصف الليل و قد نالني الذل قبل التعب..
كنت قد حجزت تذكرتي عبر طيران السعيدة إلى الخرطوم في اليوم التالي ليوم سابقى فيه في الفندق تحسباً لاي مفاجأت محاولا التأقلم مع مافرض علينا من ظلم و عشوائية...
كانت المفاجأة المهينة الأخرى عندما ذهبت الى المطار ل اتفاجأ بمجموعة من المسافرين و هم يلتحفون الأرض تحت ظل أشجار بحانب المطار لانهم بكل بساطة ابلغوا بان الرحلة قد تم إلغاؤها!!
و لكن المساكين لا زالوا ينتظرون، يتعلقون بسراب الأمل..
لم يكن مندوب عن السعيدة هو الذي كلف نفسه و قدم شخصياً ليعتذر و يبلغهم بإلغاء الرحلة بل حارس البوابة الذي قام بالمهمة، توجهت اليه و اعدت إليه سؤالي هل انت متأكد انها الغيت؟ قال نعم، فليس هناك وقود في الطائرة، يا إلهي!
اذا الغيت رحلتي!
و من يهتم ماذا سيترتب على ذلك الإخلال بالموعد؟! من يهتم للإضرار الجسيمة في جدول عملي الذي رتب له منذ اسابيع في مقرات الأمم المتحدة في بعض دول إفريقيا...
ربما ساافقد وظيفتي، هذا عن عواقب الغاء الرحلة بالنسبة لي!
و لا أدري أي اضرار سيتسبب بها هذا التعسف بالنسبة للمسافرين الاخرين..ربما يموت مريض و ربما يفقد طالب معاملته الدراسية و ربما مصائب لا ندركها تلحق بالمتضررين..
يا إلهي كل هذا يحدث لنا... لا ضمير يستفز.... لا إنسانية تستيقظ...
حسبنا الله و نعم الوكيل!