نبيل الصوفي يكتب:

في عيون ناس صنعاء.. الحوثي "مجرم" ونحن "عدم"

تابعت جريمة صنعاء بحق الأغبري، وتفاعلاتها ومظاهراتها ضد الجريمة.. وذهبت بعيداً عن كل النقاشات..

رأيت أن الناس تحت سيطرة الحوثي لا تثق بنا كلنا الذين خرجنا منها، لأن كلاً منا قد شارك في حكمها وإسقاط دولتها في قلوب مجتمعها.
‏كل منا كان دافع عن سلطته، ولذا الناس تتفرج، من سينتصر ستحدد موقفها منه لاحقاً.
‏ولذا، فإن كل أحاديثنا عن جرائم الحوثي تحت سلطته لا تعنيهم ولا يصدقونها.
ونحن بصنعاء، كانت حروب التحرير تتحكم بمشاعرنا، أتذكر وأنا عائد من نهم أو من المخا كيف كانت تعصف بي مشاعر متناقضة، ليس لدى الحوثي شيء يقدمه للناس إلا انتصاراته في الجبهات، ليس باعتبارها انتصارات له بل لكي يحفظ الاستقرار في مناطقهم..
الناس تكره الحوثي، ولكنها لا تحب رموز الشرعية، التي قد حكمت وفشلت وهربت.. غير أن هؤلاء الناس -وهو الأهم- مستعدة لتغير موقفها لصالح الاستقرار، من سينتصر ويثبت أقدامه ويوقف الحرب ستراها المقبول لها في ظرفها هذا..
الحرب موت محقق عدا لقياداتها والمنتفعين مباشرة منها وهم قلة سواءً لدى الحوثي أو لدى خصومه.
لذا، فإن السيطرة على المناطق يمنح المنتصر سطوة على مشاعر الناس في صنعاء..
ولهذا عاشت صنعاء القلق مع وصول التحالف إلى سد مأرب.. وحين وصل التحالف إلى قلب الحديدة توقفت أنفاس الحوثي وخرجت قياداته تناشد الناس للحصول على جندي أو اثنين..
لقد جفت جبهاتها.. ثم أسعفها القرار السعودي بتوقيع استكهولم، لأسباب قاهرة.. فعادت صنعاء إلى انصرافها عنا أجمعين.
مع كل خبر يُقال عن صد هجوم حوثي في مارب أو الحديدة، يشعر الناس بصنعاء بالسأم.. لا يثقون بالحوثي ولا يهمهم من يتفاخر بأنه يصد هجومه.. ماذا تكسب صنعاء من صد هجوم يومي في التحيتا أو في الجوف؟
تسأل نفسها الناس: وخرجتم بس تصدون؟
وفجأة تحرك إعلام الشرعية يتحدث عن انتصارات البيضاء، ثم ختمها ياسر العواضي، وما لبث كل شيء أن تكشف عن مأساة كبرى لم تتوقف إلى اليوم، حقيقتها انتصارات حوثية استعادت نهم والجوف ووصلت أطراف مدينة مأرب..
مأرب؟
نعم مأرب.. توقفت الحرب في نهم، غادر جيش الإمارات، تحولت مأرب "إمارة" لذات القيادة الفاسدة والفاشلة التي سقطت صنعاء في عهدها، وفجأة تحول دفاع الحوثي إلى هجوم.. واستنزفت مشاعر الناس في صنعاء.. هم ينتظرون تحركا تجاهها لا تحركاً مضاداً..
ووسط كل ذلك، فالهارب من نهم والبيضاء لحق بمن كان في مأرب وتحرك صوب "شبوة".. معركة تستنزف كل ما يمكن أن يخلق لدى صنعاء الناس أي اهتمام أو توحد مع هكذا جبهات.
تخيل، صنعاء التي تتكوم على نفسها، يُمنيِّها الهاربون بالحفاظ على الوحدة مع عدن!
هربوا من صنعاء.. انفصلوا عنها وانفصلت عنهم، فأي وحدة إذاً سيحققونها لها وهم عاجزون عن العودة لها؟
أفاعيل خرافية للعبث بالروح الوطنية وبمشاعر الناس.. وتعميق للانفصال في صنعاء.
وجاءت جريمة التنكيل باليمن ممثلاً بالأغبري، فكشفت الكثير من آثار كل ذلك..
لقد هبَّت صنعاء وإب وغيرهما توجعاً على يمن الأغبري، كتبوا وصاحوا وتظاهروا..
بالنسبة لي، أرى في كل هذا غضباً منا جميعاً.. صنعاء لم تصدقنا ونحن نحدثها عن جرائم الحوثي ضد النساء والسجناء، أو إن صدقتنا فتقول: عذبوا أصحابكم.. سدوا.
هل تعرفون، لا أحد في صنعاء يفعل شيئاً، حتى يكتب خبراً أو يوصل معلومة أو حتى يشارك مقالاً، للأطراف الشاردة إلا بمقابل، يقبلون بنا كخيار وظيفي فقط، ولكن الأغبري دفعوا من جيوبهم وتحركوا في الشارع..
الأغبري مواطن منهم وظهر مسجلاً وليس عبرنا.
منهم ليس لديه خيار سواهم..
هل يمكن لنا كلنا الذين صرنا خارج أراضي حكم الحوثي، أن نعيد تعريف صنعاء في وعينا وخطابنا.. أن نفكر، لماذا انفصلت عنا.. وكيف نستعيدها؟
علنا نستعيد بناء حركة وطنية ستنتصر على الحوثي إن فعلت..
ستفعل.. إن فعلنا..
رحم الله الأغبري.. هو صنعاء وهو اليمن، وكلنا أطراف مشاركون في جريمته.