فاروق يوسف يكتب:

حين يستعيد العرب صلتهم بالزمن

ليست هناك جدوى من محاولة تعقّب خطوات العرب من أجل اللحاق بزمنهم الضائع أو المفقود. فالمسألة لا تتعلق بترميم علاقة تعرضت للإهمال لسنوات محدودة بقدر ما تعني التلفّت بحيرة بين الأزمنة بحثا عن الخطأ الذي دفع بتلك العلاقة للنسيان باعتبارها علاقة غير ضرورية.

في لحظة ما نسي العرب حقيقة أن العلاقة بالزمن هي مقياس لوجودهم الحضاري. صار عليهم في ما بعد أن يدفعوا ثمن تلك الخطيئة الغبيّة. كان الثمن باهظا. لقد نشأت تيارات فكرية رجعية وأصولية وسط ظلام العداء للزمن. حين قويت تلك التيارات رفعت السلاح ضد مظاهر العصر التي اكتفى العرب باستيرادها من غير أن يساهموا في خلقها.

كانت صناعة التخلف تستمد قوتها من فكرة الخوف من الزمن باعتباره عدوا.

أما حين استيقظ العالم العربي على الإرهاب اكتشف أن العالم من حوله تغير. تغير أصدقاؤهم وتغير أعداؤهم. صارت هناك مسافات تفصلهم عمَن كان صديقهم. أما عدوهم فإنه لم يعد يشعر بالحاجة لقتالهم ما داموا قد صنعوا أسباب موتهم بأنفسهم بطريقة تدعو إلى الرثاء.

وإذا كانت إسرائيل في زمن ما تمثل بالنسبة لهم العدو الذي يجمعون على القضاء عليه عبثا أو بعثا للروح الوطنية فإنهم بمرور الوقت اكتشفوا أن إسرائيل ليست الشرّ كله بل إن هناك مَن يقاسمها الشرور وهناك مَن يتفوّق عليها بل ويضعها في المؤخرة. مؤخرة الأعداء الذين صار عددهم لا يُحصى.

فبالرغم من أن العرب لا يفتقرون إلى عناصر القوة فإن الرغبة في أن يكونوا أقوياء بطريقة حقيقية تلامس الواقع هي الشيء الوحيد الذي يفتقرون إليه. تلك هي إرادة القوة. ففي غياب إرادة القوة ظل العرب غير قادرين على تحسين علاقتهم بالزمن. وصارت كل خطوة من أجل الدخول إلى العصر الحديث تقابل باستهجان مواقع التأثير على المجتمع وعلى مؤسسات اتخاذ القرار السياسي.

لقد اكتشف العرب أن أعداءهم الحقيقيين إنما يقيمون تحت جلدهم. إنهم أبناء ثقافتهم المغلقة على ظلامها. هل نقول إن عدو الداخل صار أكثر من عدو الخارج؟ سترتاح إسرائيل من العداء العربي، أما إزعاج التنظيمات المريبة من نوع حزب الله وحركة حماس، وكلاهما مرتبطان بإيران، فإن أثره عليها لا يشكل إلا عشر نسبة الضرر الذي يلحقه بالعرب.

لقد شكلت تلك التنظيمات المتشددة التي حاربت الزمن بمحراث الدين عنصر تهديم للدولة سعيا وراء إشاعة الفوضى من أجل أن تحل اللادولة محل الدولة. وهو ما لن تستطيع إسرائيل القيام به لو أرادت. هل علينا أن نقدّم قدما ونؤخر أخرى من أجل أن نعترف بأن اضطراب علاقتنا السابقة بالزمن لا يمكن تعويضه، ونحن إذ نبدأ في تصحيح أوضاعنا فإن خسائرنا لا يمكن محوها.

غير أن تأخرنا عن اللحاق بالزمن كان ولا يزال أصعب خسائرنا. لذلك صار علينا أن نسرع. لا من أجل أن نلحق بالزمن بل من أجل أن نصحّح أوضاعنا. سيكون علينا دائما أن نذكر أنفسنا بأن البداهات التربوية التي نظرنا إليها باعتبارها حقائق سياسية لم تكن صحيحة بشكل مطلق. وبشكل صريح يمكنني القول إن علينا أن نعيد النظر في ميزان العداوة والصداقة. فإسرائيل ليست أكثر خطورة علينا من إيران. وقد تلتحق تركيا في وقت قريب بإيران.

إسرائيل للأسف لا تميتنا ولا تجوّعنا ولا تهيننا ولا تفقدنا هوّيتنا. إيران تسعى إلى أن تفعل ذلك بل إنها فعلته أينما تمكنت. كانت علاقتنا المضطربة بالزمن هي السبب الذي جعلنا نغفل عن التحولات التي شهدها العالم عبر العقود الماضية.

اليوم تبدو الأمور أكثر وضوحا. لن يلحق أحد بالزمن ولكن التاريخ ينبغي أن يغيّر مساره بحيث يكون الواقع لا الوهم هو أساسه.