صلاح مبارك يكتب:

أخيرًا.. تفهمت!

للرئيس التونسي زين العابدين بن علي، - رحمة الله عليه - قول ذائع حين توجه إلى شعبه في خطبة الوداع الشهيرة «أنا فهمتكم»، وذلك بعد أن أمتدت الاحتجاجات والمظاهرت ضد الاستبداد والبطالة والتهميش والفقر من منطقة "سيدي بوزيد" وتوسعت رقعتها لتجتاح كل مناطق تونس وصولًا إلى ميدان الحبيب بورقيبة في العاصمة وقرب قصر قرطاج، عندها فاق "زين العابدين" متاخرًا ليفهم مطالب التونسيين الذين حكمهم بالحديد والنار أكثر من عقدين من الزمن، دون أن يعلم بأن فهمه المتأخر هذا هو المسمار الأخير في نعش حكمه ، وأن اعترافه واكتشافه الخطير بالفهم بمطالب الإصلاحات والتغيير لن يرجع الناس إلى بيوتهم بعد أن افترشوا الميادين والشوارع للمطالبة بإسقاط نظامه ، وربما هذه «العبارة» صبت الزيت على النار واشعلت في نفوس التوانسة الإصرار والتحدي للإنتصار لثورة "محمد بوعزيزي"، ذلك الشاب الحر والشريف الذي رفض الظلم والضيم وأضرم النار في جسده احتجاجًا على عربدة شرطية متعجرفة ارادت مصادرة عربته البسيطة التي كان يبيع عليها الفواكة والخضار ، حينها أدرك "زين العابدين" بأنه حكم على نفسه بالموت سياسيًا ووجدانيًا، فبكر غبش ليضع الخطة الأخيرة للهروب ويستقل طائرته الرئاسية فارًا من غير رجعة.  
وعلى منوال «أنا فهمتكم» فاجئتنا حكومة تصريف الأعمال اليمنية لدى وقوفها امس أمام الأوضاع الخدمية في المحافظات المحررة - ومن بينها طبعًا حضرموت - والجهود المبذولة من «قبلها» بالتنسيق مع السلطات المحلية لتحسين الخدمات الأساسية وفي مقدمتها الكهرباء والمياه - فاجئتنا - بــ «تفهمها» الكامل لما يعانيه المواطنين جراء هذه الأوضاع! وأنها - اي الحكومة - «تعمل بكل الوسائل والامكانيات لحلها»، ونتمني إلا يكون هذا «التفهم» متاخرًا مثل تفهم "زين العابدين" على الرغم من أن المقارنة ظالمة وفي غير محلها، فالاخير كان ينتقل في مواكب رئاسية بين قصر وآخر، ويعيش تحت سماء وفوق تراب أرضه.. بيد أن "غلطته" لم يفهم مطالب شعبه طيلة 23 عامًا من حكمه، وعندما فهمها كان الآلاف من المتظاهرين على مقربة من قصر "سيدي الظريف" الرئاسي، فسبق السيف العذل.. فقط نود أن نذكر حكومتنا - أطال الله في عمرها - أن معاناة الناس في البلاد تفاقمت واستفحلت ، وأن الواقع كارثي لا تخفيه عين على كل مستويات المعيشة والخدمات، والتردي وصل إلى كل شيء والأحوال ضاقت بصورة لا يتخيلها عقل، خاصة مع الانهيار الموجع للعملة الوطنية والغلاء الذي طال الغذاء والعيش.. أما الخدمات الأساسية المرتبطة بحياة الناس اليومية فحدث ولا حرج..
اصبحت الكهرباء مشكلة عويصة في مناطق مثل ساحل حضرموت حيث صيفها الساخن مرتفع الحرارة، عالي الرطوبة، إضافة إلى سوء الخدمات الأخرى كالمياة والاتصالات والصحة والنظافة وتأخر المرتبات .. 
نتمنى أن نكون خفيفين على حكومة تصريف الأعمال ولا نحملها الأثقال أو أن نجلدها أو ننتقص منها فقط ندعوها وكل مؤسساتها للعودة السريعة للوطن ومباشرة أعمالها من الأرض لتتحمل مسؤولياتها الحقيقية كاملة تجاه الشعب عندها - أعتقد - سوف "تتفهم" المشكلات والاحتياجات وتعيش الواقع بحلوة ومرة ولن تقول «أنا فهمتكم»، بعد فوات الأوان.