محمد سيف الدولة يكتب:

مصر و(اسرائيل) وحكاية الحرب والسلام

كلما حلت ذكرى نصر اكتوبر من كل عام، قال لنا الشباب انهم يحسدوننا لاننا عاصرنا الحرب وشاركنا في كسر انف (اسرائيل) واذلالها، وعشنا سنوات النضال الوطنى حين كان العدو عدوا والصديق صديقا، وكانت مصر كلها سلطة وشعبا على قلب رجل واحد ضد (اسرائيل) ومع فلسطين، وكان هناك اتساقا كاملا بين الثوابت الوطنية والسياسات الرسمية للدولة، بعكس ما يشعر به الشباب اليوم من انفصام فى الشخصية الوطنية، بسبب الصراع بين هويتهم وانتمائهم الوطنى والعربى المنحاز لفلسطين والمعادى (لاسرائيل) من ناحية، وبين ما يشاهدونه من عمق غير مسبوق فى العلاقات المصرية الاسرائيلية من ناحية اخرى، بعد ان انقلب الحال وتبدل 180 درجة فاصبح الشقيق عدوا والعدو صديقا.

كما يتساءل الشباب فى حيرة: "لماذا بعد ان انتصرنا على (اسرائيل) عام 1973، نجدها اليوم تعربد فى المنطقة بلا ردع او رد او تعقيب، وتتعامل مع الجميع بصفتها القوة الاقليمية العظمى الوحيدة فى المنطقة؟

ألم يكن من المفترض بعد انتصارنا العظيم فى اكتوبر ان تتراجع (اسرائيل) وتتصدر مصر وتستعيد مكانتها الطبيعية والتاريخية كقائدة للامة فى مواجهة كل القوى والتهديدات والاعتداءات الخارجية؟ 

***

فى ذكرى حرب أكتوبر أكتب هذه السطور للجيل الجديد، محاولا أن ألخص حكاية صراعنا مع العدو الصهيوني، لعلها تجيب على تساؤلاته وتزيل غموض ما التبس عليه وتنير له الطريق نحو مستقبل أفضل بدون (اسرائيل).

***

 

قال موشى ديان ان أهداف العدوان على مصر هى:

1)   تحطيم القوات التى تحاول إخضاعنا.

2)   تحرير ذلك الجزء من أرض الوطن الذى يحتله الغزاة.

3)   تأمين حرية الملاحة فى مضايق تيران وقناة السويس". 

كما قال: "ان قواتنا الجنوبية تحارب الآن عبر الحدود للقضاء على جيش النيل وحشره فى أرضه."

   

وقال مناحم بيجين بعد توقيع معاهدة السلام مع مصر عام 1979:" سنضطر إلى الإنسحاب من سيناء لعدم توافر طاقة بشرية قادرة على الاحتفاظ بهذه المساحة المترامية الأطراف. سيناء تحتاج إلى ثلاثة ملايين يهودى على الأقل لاستيطانها والدفاع عنها. وعندما يهاجر مثل هذا العدد من الإتحاد السوفيتى أو الأمريكتين إلى إسرائيل سنعود إليها وستجدونها فى حوزتنا ".

***

المقدمات :

زرع الاستعمار الغربى، الكيان الصهيوني في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين وأعطاه دولة باطلة عام 1947، ودعمه فى الحرب ضدنا عام 1948، وهى الحرب التى أسفرت عن اغتصاب 78 % من ارض فلسطين.

ثم قدم له كل أنواع الدعم المالي والعسكري على امتداد 72 عاما لتمكينه من الانتصار علينا واغتصاب المزيد من أراضينا كل يوم.

ولقد وقفت مصر منذ البداية مع كافة إخوتها من الأقطار العربية صفا واحدا، ضد المشروع الصهيوني وكيانه، ادراكا منها انه يهدد وجودها بالقدر الذى يهدد فيه فلسطين وباقى الأمة. فما كان من (اسرائيل) الا ان قامت بالعدوان علينا عدة مرات في 1955 و1956 و1967.

ولقد نجح العدو للأسف الشديد بسبب أخطائنا الكبرى، في الاستيلاء عام 1967 على سيناء والجولان وغزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية. وهى الهزائم التى لا نزال نسدد فواتيرها الباهظة حتى يومنا هذا.

ولكن شعبنا العظيم في مصر وباقي الوطن العربي رفض قبول الهزيمة ورفض شروط الأمريكان لاستعادة سيناء وبعض الاراضى المحتلة.

وكانت شروطهم ان نعترف (بإسرائيل) وننسى فلسطين ونتعايش مع الكيان الصهيوني، ونقبل وجوده بيننا الى أبد الآبدين.

وفى الخرطوم اجتمع القادة العرب فى أول سبتمبر 1967 واتفقوا جميعا على مواصلة القتال، وعلى عدم الاعتراف (بإسرائيل) وعدم الصلح او التفاوض معها.

وتفرغت مصر شعبا وجيشا للإعداد للمعركة، ونجحت بفضل الله فى تفجير حرب التحرير فى السادس من أكتوبر 1973. وهى الحرب التي أثبتت للصهاينة والأمريكان إننا أمة باقية لا يمكن إفناؤها.

ولكن ما حدث بعد الحرب جاء مخالفا على طول الخط لما اتجهت اليه إرادة الشعب وإرادة الأمة على امتداد قرن من الزمان:

***

خلاصة حرب اكتوبر وما بعدها :

 6 و7 و8 أكتوبر عبرت القوات المسلحة المصرية قناة السويس فى عمل بطولي خارق أذهل العدو والعالم أجمع ونجحت بالفعل فى تحرير شريط بعمق متوسط من 10 ـ 12 كم شرق القناة محققة هذا النجاح بواسطة 80 ألف مقاتل.
11 أكتوبر أصدر الرئيس السادات قرارا بتطوير الهجوم داخل سيناء معللا ذلك برغبته فى تخفيف الضغط على سوريا.
14 أكتوبر تم تنفيذ القرار وذلك بدفع الفرقتين المدرعتين 4 و21 الاحتياطيتين من غرب القناة إلى شرقها.
16 أكتوبر استغل العدو الوضع الجديد الذي كشفته له طائرات التجسس الأمريكية، ونجح في عمل ثغرة بين الجيشين الثاني والثالث وعبر بقواه الى الضفة الغربية للقناة وحاصر الجيش الثالث ومدينة السويس.
رفض الرئيس السادات القضاء على الثغرة خوفا من تهديدات كيسنجر طبقا للتصريحات التى أدلى بها فيما بعد.
20 اكتوبر طلب الرئيس السادات وقف إطلاق النار.
22أكتوبر صدر قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.
من 22/10 الى 28/10 لم يلتزم العدو بالقرار.
28/10 / 1973 تم الإيقاف الفعلي لإطلاق النار
بدأت الضغوط الأمريكية على القيادة السياسية المصرية للقبول بشروط انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية للقناة.
18/1/1974 خضعت مصر للضغوط وقبلت الشروط الأمريكية الإسرائيلية ووقعت مع (إسرائيل) الاتفاق الأول لفض الاشتباك والذي بموجبه وافق السادات على ما يلى:
انسحاب القوات الاسرائيلية (قوات الثغرة) من الضفة الغربية للقناة مقابل:
سحب 70 ألف جندى مصرى من سيناء فى شرق القناة وإعادتهم مرة أخرى الى مواقعهم قبل العبور، مع الإبقاء على 7000 جندى مصري فقط فى سيناء.
سحب أكثر من 1000 دبابة مصرية من شرق القناة وإبقاء 30 دبابة فقط.
منع وجود اى صواريخ بعمق 30 كم غرب الخط المصرى.
وقد سجل الجمسى اعتراضه، ولكن تم توقيع الاتفاق بأوامر من القيادة السياسية.
1/9/1975 وقع السادات اتفاق فض الاشتباك الثانى مع العدو الصهيونى والذى كان اهم ما جاء فيه:
إنهاء حالة الحرب مع (اسرائيل) وذلك باتفاق الطرفين على ان النزاع بينهما لا يتم حله بالقوة المسلحة.
قبول مصر بدخول مراقبين أمريكيين مدنيين الى سيناء لاول مرة لمراقبة تنفيذ الاتفاق وهو ما اصبح قاعدة لما حدث فيما بعد فى اتفاقية السلام حيث أسندت مهمة الإشراف على القوات المتعددة الجنسية الموجودة الآن فى سيناء الى الولايات المتحدة الأمريكية (خرج الصهاينة ودخل الأمريكان)
1977 ـ 1979 مفاوضات السلام بين مصر و(إسرائيل) تحت الرعاية الامريكية.
26 مارس 1979 توقيع معاهدة سلام مع العدو الصهيوني بمقتضاها تنسحب قواته من شبه جزيرة سيناء بشرط:

1)   تجريد ثلثى سيناء المجاور لفلسطين المسماة (بإسرائيل) من اى قوات مسلحة مصرية، الا باذن (اسرائيل).

2)   وبشرط تقييد وجود وسلاح القوات المصرية فى الثلث الباقى من سيناء المجاور لقناة السويس بما يقارب ربع القوات التى عبرنا بها بدمائنا فى حرب اكتوبر والتى قبل السادات بإعادتها فى 18/1/1974 كما تقدم.

3)   وبشرط ان تقوم قوات أجنبية غير خاضعة للامم المتحدة تحت قيادة أمريكية بمراقبة القوات المصرية فى سيناء من خلال معسكرات ونقاط مراقبة محددة على ارض سيناء.

4)   وبشرط أن تنسحب مصر من الجبهة العربية المواجهة (لاسرائيل)، وتقف على الحياد فى اى صراع قادم.

5)   وبشرط ان تعترف مصر بدولة (اسرائيل) وتتنازل لها عن 78 % من فلسطين.

6)   وبشرط ان تقيم علاقات طبيعية مع (اسرائيل)على كافة الأصعدة.

7)   وبشرط أن تتعهد بأن تبيع لها ما تريده من البترول (والغاز فيما بعد)

8)   وبشرط أن تلتزم بمحاكمة كل من يرتكب أى نشاط هدام ضد (اسرائيل) كالإثارة والتحريض والعنف.

9)   وبشرط أن يتم إنشاء نظام سياسي جديد يلتزم فيه الكافة بالاعتراف (بإسرائيل) وبالسلام معها، وان يحظر على المعارضين المشاركة فيه.

10)         وبشرط ان يترك للأمريكان مهمة إعادة صياغة مصر سياسيا و اقتصاديا وعسكريا وطبقيا وتعليميا وثقافيا ودينيا ..الخ ، وان تكون لهم الكلمة الأولى في كل ما من شأنه أن يهدد أمن (إسرائيل) .

11)         وبشرط أن تقود مصر حملة لدفع الدول العربية والقيادات الفلسطينية للاعتراف (بإسرائيل)، وان تشارك فى تصفية اى مقاومة او فعل مسلح ضدها.

12)         وشروط وقيود أخرى كثيرة لا تزال تثقل كاهلنا حتى اليوم.

***

وبالفعل خرج الصهاينة من سيناء ودخلها الأمريكان كما دخلوا مصر كلها، وتم تنفيذ كل شروطهم حرفيا، فيما عدا نقطة واحدة عجزوا جميعا عن تحقيقها وهى:

انتزاع حب فلسطين وكره (اسرائيل) من قلوب وضمائر الشعب الطيب وقواه الوطنية.

***

انتهت الحكاية، ولكن الصراع قائم لم ولن ينتهى، إلى ان يوفقنا الله فى التحرر والاستقلال وتحرير كامل فلسطين وكل الأراضي المحتلة وإنهاء المشروع الصهيوني.

فإياكم واليأس مما آلت اليه الأمور، فما هى إلا معاهدات باطلة وظالمة مصيرها الى زوال.

وكم من المرات فى تاريخنا العريق، أسقطنا معاهدات مماثلة كنا نتصور انها أبدية، ففى عام 1951 أسقط شعبنا العظيم معاهدة 1936، وفى 1956اسقطنا اتفاقية قناة السويس بعد 87 عاما من توقيعها، والأمثلة كثيرة.

والبركة فيكم بإذن الله.