محمد سيف الدولة يكتب:

الألغام (الإسرائيلية) في سيناء

فقدت مصر فى الايام الماضية أحد عشر شهيدا من القوات المسلحة المصرية، ارتقوا نتيجة عملية ارهابية جديدة فى سيناء شرق قناة السويس، ليبلغ عددهم ما يزيد عن 3000 شهيدا منذ عام 2013 فقط وفقا للتصريحات الرسمية، وهذا بخلاف الذين استشهدوا هناك عامى 2011 و2012 وما قبلهما.

والسؤال لماذا سيناء هى المكان الوحيد فى مصر الذى يسقط فيها كل هذا العدد من الشهداء؟

ولماذا لا تتم العمليات الارهابية الا هناك؟

ولماذا لا يتجرأ الارهابيون على الدولة ومؤسساتها الا فى سيناء؟ (1)

ولماذا يقتلون الجنود المصريين، ولا يقتربون من جنود الاحتلال الذين يقبعون على بعد أمتار منهم فى الجهة الأخرى من الحدود؟

***

لقد بُحت اصواتنا منذ سنوات الطويلة، بأن القيود الامنية والعسكرية المفروضة علينا فى سيناء بموجب اتفاقيات كامب ديفيد 1978-1979 ومن ورائها (اسرائيل) هى المتهم الرئيسى فى كل الجرائم التى تدور هناك، من ارهاب واختراق وتجسس وتهريب وخلافه.

ولا أمل لنا فى انهاء هذا النزيف الا بالتحرر من كامب ديفيد وقيودها.

***

فرغم استرداد مصر لارض سيناء الذى اكتمل بعودة طابا بالتحكيم فى 29 سبتمبر 1988، الا انها كما يعلم الجميع عادت الينا مجروحة السيادة، وملغمة بعدد من الالغام الامنية والسياسية التى تنفجر فى وجوهنا طول الوقت:

اللغم الاول بطبيعة الحال هو القيود المفروضة علينا بموجب المادة الرابعة من المعاهدة وملحقها الامنى والذى يحرم مصر من نشر ما تريده من قوات وسلاح فى ثلثى سيناء الا بالاتفاق مع (اسرائيل) وبموافقتها وفقا لما ورد نصا فى الملحق الرابع من المعاهدة والذى جاء فيه:

   ((من المتفق عليه بين الأطراف أن تتم إعادة النظر المنصوص عليها فى المادة 4 فقرة (4) عندما يطلب ذلك أحد الأطراف، وعلى أن تبدأ فى خلال ثلاثة أشهر من طلبها ولكن لا يجرى أى تعديل إلا بإتفاق كلا الطرفين.))

وهو ما تم تطبيقه بالفعل فى التعديلات التى تمت بالاتفاق بين الطرفين فى 2005 وفى العام المنصرف 2021. (2)

***

اللغم الثانى هو القوات الاجنبية (MFO) التى تراقبنا فى سيناء بموجب البروتوكول الموقع بين مصر و(اسرائيل) والولايات المتحدة فى 3 اغسطس 1981، والتى تتكون من 11 دولة تحت قيادة الولايات المتحدة ولا تخضع للامم المتحدة، والتى سبق ان تناولتها تفصيلا فى دراسة بعنوان "السيادة المجروحة فى سيناء ـ أرقام وحقائق"(3).

***

اللغم الثالث هو الاتفاقية المصرية الاسرائيلية لتنظيم السياحة الاسرائيلية فى سيناء الموقعة فى 26 فبراير 1989، والتى اعطت للسياح الاسرائيليين امتيازات استثنائية غير مسبوقة لدخول سيناء من معبر طابا والتمتع بشواطئها لمدة 14 يوما بدون تأشيرة وهو ما تناولناه فى مقال سابق بعنوان " امتيازات اسرائيل السياحية فى سيناء."(4).

***

اللغم الرابع هو الاتفاقية المصرية الاسرائيلية الموقعة عام 2005 لمراقبة الحدود المصرية مع غزة بعد انسحاب شارون منها، والتى تم الحاقها كملحق عسكرى بالمعاهدة الاصلية لتخضع هى الأخرى لمراقبة القوات متعددة الجنسية، والتى كبلت يد الدولة المصرية فيما يتعلق بحركة الافراد والبضائع فى المعابر مع قطاع غزة والزمتها بالتنسيق مع (اسرائيل) فى هذا الشأن والالتزام بالقيود والشروط التى وضعتها فى اتفاقياتها مع السلطة الفلسطينية والاتحاد الاوروبى، وهو ما أدى الى الاضرار البالغ بالعلاقات المصرية الفلسطينية نتيجة القيود الصارمة التى تفرضها (اسرائيل) وتلتزم السلطات المصرية بتطبيقها على معبرى رفح وكرم أبو سالم، وهو ما سبق أن تناولته فى دراسة تفصيلية بعنوان "الاتفاقية المصرية الاسرائيلية لمراقبة غزة".(5)

***

اللغم الخامس والحارس لكل الالغام السابقة والمنحاز والضامن لمصالح (اسرائيل) وامنها القومى على حساب الامن القومى المصرى وضده، هو "مذكرة التفاهم" الغادرة التى وقعتها الولايات المتحدة مع (اسرائيل) فى 25 مارس 1979 قبل توقيع المعاهدة بيوم واحد، والتى تضمنت تهديدا امريكيا صريحا للدولة المصرية بتدخل امريكى عسكري مباشر ضد مصر فى حالة قيامها بانتهاك اى بند من بنود الاتفاقية، وهو التهديد الذى دائما ما تستند عليه جماعة كامب ديفيد فى مصر منذ اربعين عاما لتبرير السياسات المصرية الرسمية.

***

كل هذه الالغام وغيرها كانت ولا تزال تمثل تهديدات ومخاطر شديدة على مصر:

  • اولا من حيث انتشار كل انواع الجرائم من ارهاب وتجسس وتهريب فى سيناء كنتيجة حتمية لضعف السيادة المصرية المفروضة هناك.
  • وما يترتب على ذلك من سقوط كل هذا الاعداد من الشهداء، الذى لم يتكرر فى اى بقعة اخرى من الاراضى المصرية التى تفرض عليها الدولة المصرية سيادتها الكاملة.
  • بالإضافة الى ما مثلته على امتداد اربعين عاما من ضغوط هائلة على الارادة المصرية وعلى صناع القرار فى مؤسسات الدولة، لاجبارها على انتهاج سياسات ومواقف تتوافق مع أمن (اسرائيل) ومصالح الولايات المتحدة الامريكية.
  • بالاضافة الى الانخراط الدائم "وبالاكراه" فى التنسيق الامنى والسياسى مع (اسرائيل)، تجنبا لأى غدر او نوايا عدوانية جديدة على غرار ما حدث فى اعوام 1956 و1967 فى ظل القيود المفروضة هناك على السيادة المصرية.
  • وهو الاكراه الذى تحول فى السنوات القليلة الماضية، فى ظل الحاجة الملحة الى الوساطة الاسرائيلية مع الراعى الامريكى، الى تعميق وتوطيد غير مسبوق للعلاقات فى ملفات متعددة أخرى كصفقات الغاز والكويز ومنتدى شرق المتوسط وتخفيف القيود على الفاعليات الاسرائيلية على الاراضى المصرية مثلما حدث مؤخرا من تنظيم احتفالات اسرائيلية حاشدة على ارض سيناء، وما حدث من احياء لذكرى الهولوكوست لاول مرة فى مصر فى 24 يناير 2022، وايضا ما سبق من احياء السفارة الاسرائيلية لذكرى النكبة التى يسمونها (بعيد استقلال اسرائيل) عام 2018 على ضفاف النيل بالقرب من ميدان التحرير.
  • وفى ذات الوقت فرض مزيد من القيود على المعارضة المصرية الداعمة لفلسطين والمناهضة للصهيونية ولاسرائيل ولكامب ديفيد ولكل اشكال التطبيع.

***

والسؤال المطروح منذ ما يزيد عن اربعين عاما هو: الى متى سيظل المصريين ودولتهم ومؤسساتهم وحكامهم المتتاليين، يعيشون تحت الضغط والتهديد الاسرائيلى والامريكى وتحت خطر هذا الارهاب المشبوه وثيق الصلة بأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، بدليل انه لا يستهدف سوى الجنود المصريين، ولم يطلق رصاصة واحدة على الاحتلال على الجهة الأخرى من الحدود؟