محمد سيف الدولة يكتب:
سامى شرف
((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ((صدق اللَّهُ العظيم
انتقل الى رحمة الله الأستاذ/ سامي شرف مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات، واحد شيوخ الناصريين فى مصر.
لن أتناول هنا تاريخه السياسى ودوره الوظيفى منذ انخراطه فى تنظيم الضباط الأحرار حتى خروجه من السلطة واعتقاله وسجنه عام 1971، ولكنى سأتوقف عند مبدئية الرجل وصلابته.
فالأستاذ سامى واحد من اولئك الذين لم يغيروا جلودهم ولم يتبدلوا كما فعل الكثيرون غيره بعد وفاة عبد الناصر وتولى الرئيس السادات لكرسى الحكم خلفا له، والذى انقلب 180 درجة على مشروع عبد الناصر ومبادئه وسياساته وانحيازاته رغم انه كان نائبه الاول.
فبعد وفاة عبد الناصر، حدث ما يحدث على الدوام فى مصر وفى بلادنا العربية وربما فى العديد من بلاد العالم، حين يأتى رئيس جديد، فينتقل ولاء كل رجال السلطة ومؤسساتها بسرعة البرق الى الحاكم الجديد، أيا كان مشروعه او برنامجه او توجهاته.
وهو ما حدث بعد عام 1970 بشكل شديد الفجاجة، فالغالبية العظمى من كبار رجال الدولة ومؤسساتها وقيادات وكوادر الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى ومعهم قطاعات واسعة من الكتاب والسياسيين والمثقفين والاعلاميين والفنانين، غيروا جلودهم ومواقفهم ومبادئهم من النقيض الى النقيض:
· من الاستقلال الى 99% من اوراق اللعبة فى ايدى الامريكان.
· ومن عدم الانحياز الى الغرق فى مستنقع التبعية للولايات المتحدة الامريكية.
· ومن لا صلح لا تفاوض لا اعتراف الى الصلح والسلام والاعتراف باسرائيل.
· ومن الاقتصاد المخطط الى اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادى والخضوع لتعليمات صندوق النقد الدولى واغراق البلاد فى القروض والديون.
· ومن تأسيس المصانع الكبرى والقطاع العام الى الخصخصة وضرب وتصفية الصناعات الوطنية.
· ومن الانحياز الى الفقراء الى استئثار طبقة من الراسماليين وكبار رجال الدولة بالثروات.
· ومن مصر العربية قائدة الامة وقلبها النابض الى مصر الفرعونية ومصر اولا واليهود أقرب الينا من العرب كما قالها توفيق الحكيم صراحة عام 1978.
اسماء لامعة وشخصيات ثقيلة الوزن فى مجال تخصصها لا اريد ذكرها منعا للاحراج، لا يزال بعضها على قيد الحياة، تسابقت لنيل الرضا والحظوة عند الحاكم الجديد، وتنافست من أجل ذلك فى كيل قصائد القدح والذم فى الرئيس الراحل وعصره ومشروعه وسياساته.
قليلون هم الذين تمسكوا بمبادئهم ولم يتلونوا ومنهم من دفع اثمانا باهظة نتيجة هذه المواقف.
وسامى شرف كان واحدا من هؤلاء، فلقد تم اعتقاله ومحاكمته فى واحدة من المحاكمات الصورية التى يحفل بها تاريخنا الطويل، والمشهورة باسم مراكز القوى، وحكم عليه بالاعدام قبل ان يخفف الحكم الى المؤبد وخرج عام 1981 بعد عشر سنوات قضاها فى السجن.
لم يكن من مدرسة "مات الملك .. عاش الملك".
كان ناصريا عقائديا الى ان توفاه الله، لم يغير جلده ويتلون مع كل حاكم فيصبح اليوم ساداتيا وغدا مباركيا وبعد غد سيساويا وهكذا.
لا يهم هنا موقف اى منا من عبد الناصر أو الناصرية او الناصريين أو من مواقف الرجل ومبادئه وآرائه، فلكل منا انتماءاته الفكرية والايديولوجية، ولكن ما يهم انه لم يتبدل بعد خروجه من السلطة، بل فضل السجن على التراجع او الاعتذار او المشاركة فى الردة على المشروع السياسي الذي آمن به وخدم فيه.
والى آخر أيامه كان شديد الرفض والمعارضة لاتفاقيات كامب ديفيد والعلاقات الرسمية الحميمة مع (اسرائيل). وكان كثيرا ما يتفضل بإعادة نشر وتوزيع ما أقوم بكتابته ضد معاهدة السلام على المجموعات والمواقع والصحف الالكترونية، والمقال الوحيد الذى نشرته لى المصرى اليوم وكان فى 2 مايو 2013 بعنوان ((كامب ديفيد والسيادة المجروحة فى سيناء)) والذى تناولت فيه خطورة الوضع فى سيناء ودعوت الى ضرورة التحرر من القيود الأمنية المفروضة علينا هناك بموجب اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979 والتى تحول دون فرض الدولة سيادتها الكاملة على سيناء .. كان هو الذى أصر على ضرورة نشره على اوسع نطاق وقام بنفسه بالاتصال برئيس تحرير الجريدة حينذاك لنشره. وهو المقال الذي تلقيت بعده رسالة تهديد من السفير الاسرائيلى الاسبق "تسفى مازائيل"، ولكن هذا حديث آخر.
رحم ألله الفقيد بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.