فاروق يوسف يكتب:

"الإسلام في أزمة" هي العبارة الصحيحة

قال الرئيس الفرنسي ما يمكن أن يقوله أي إنسان عاقل مهتم بما يحدث من حوله. "الإسلام في أزمة" ليست عبارة تتعلق برأي مناهض لدين بعينه. هناك ظاهرة اسمها الإسلام السياسي صار العالم يعاني من وطأة العنف الذي تنطوي عليه.

بالنسبة لماكرون باعتباره رجل سياسة فإن الإسلام هو تلك الوصفة الجاهزة التي صار يتداولها المسلمون. وهي وصفة لم تعد سرية. الأوروبيون يعرفون المسلمين جيدا بطريقة جيدة لا علاقة لها بالحروب الصليبية. ذلك لأن المسلمين يقيمون على أراضيهم ويتمتعون بحقوق، كانت قد حفظتها القوانين لهم. وهم يعرفون كيف يتعامل المسلمون مع تلك القوانين.

ماكرون لا يجهل ما الأسلام وهو يعرف جيدا ما الذي يعنيه أن يكون المرء مسلما؟ لا شيء يغيض المسلمين الحقيقيين في ما قاله ماكرون. فالإسلام ليس عقيدة مجردة من حامليها. لا يمكن معرفة الإسلام إلا من خلال سلوك المسلمين. ذلك سلوك صار من الصعب قبوله أو التغاضي عما ينطوي عليه من همجية وعدوانية ليست الدول ملزمة على السكوت عليه احتراما للإسلام.

ثم ما الإسلام؟ إنه بالنسبة للآخر هو المسلمون. اما الدين النظري فإنه يسكن الكتب باعتباره عقيدة. لذلك فإن مطالبة ماكرون بأن يعود إلى تلك الكتب انما هو نوع من الجنون الذي يفضح انفصالنا عن العصر.

كان خطاب ماكرون موجها إلى مسلمي هذا العصر. فالأزمة التي يعاني منها الإسلام صنعها المسلمون بأيديهم حين سمحوا لحفنة منهم أن تتبنى العنف لغة للحوار مع الآخر في محاولة للتعبير عن اختلافها.

ما تحدث عنه ماكرون هو الإسلام الذي يعرفه عمليا وهو محق في كل ما قاله. "الإسلام في أزمة" ذلك هو التعبير الصحيح عن حالة الغربة والاقتلاع والتشرذم الذي يعيشها الإسلام كعقيدة في ظل تمترس الإرهابيون ورائها.

كان من الممكن اعتبار إشارة ماكرون جرس إنذار.

لقد أساء المسلمون كثيرا إلى الإسلام حين أظهروه دينا تكفيريا يحث على العنف وإشاعة الفوضى في مجتمعات مستقرة استقبلتهم باعتبارهم هاربين من أوطانهم ووفرت لهم كل مستلزمات الحماية وأعادتهم إلى حضن المجتمع البشري.

أخطأ المسلمون حين صنعوا من إسلامهم مسوغا للإعتداء على الآخرين. وهو ما لا يعطينا الحق في أن ندين الآخرين ونتهمهم بعداء الإسلام. لقد وصل الإسلام مشوها من خلال سلوك ارهابي، ما كان في الإمكان السكوت عنه.  

ماكرون ليس باحثا مختصا ولا مستشرقا. إنه رجل سياسة يفهم في ما يحدث من حوله ويسعى إلى أن يؤدي وظيفته بنزاهة وصدق. وهو ما يضعه وجها لوجه أمام مسؤولية قول الحقيقة.

هناك معادلات واقعية صحيحة وقفت وراء الاستنتاج الذي تضمنته العبارة التي نطق بها الرئيس الفرنسي.

"الإسلام في أزمة" تلك حقيقة لا ينفع إنكارها المسلمين في شيء.

فالإسلام كظاهرة واقعية بات رهينة بيد الارهاب. في ذلك المجال يمكن القول إن الإرهاب صار في العقود الأخيرة وسيلة التعريف الوحيدة بالإسلام. هناك ملايين من البشر لم تكن تعرف عن الإسلام شيئا بل أنها لم تسمع به دفعها العنف الذي مارسه الارهابيون إلى محاولة التعرف على ذلك الدين الذي "انتج" كل هذه الوحشية والهمجية والكراهية.

"الإسلام في إزمة" لأنه تعرض للتشويه والمسخ والتدمير من الداخل.

مَن يخاطب العالم اليوم باسم الإسلام؟
خامنئي وأردوغان وأتباعهما في حزب الله وبوكو حرام وجبهة النصرة وداعش وقبل كل هذه التنظيمات يقف شبح تنظيم "القاعدة" الذي جلب النحس والكوارث بعد قيامه بغزوة منهاتن.  

وليس مستبعدا أن يكون كل هذا الهياج الذي انضم إليه البسطاء ضد مقولة تعبر عن الحقيقة وردت على لسان الرئيس الفرنسي انما تقف وراءه الجهات المستفيدة من أن يستمر الإسلام غطاء عقائديا للإرهاب.

بعد كل ما تعرض له الإسلام من عمليات إزاحة عن مكانته عقيدة إنسانية صار علينا أن نبحث عن الأخطاء التي ارتكبها المسلمون بحيث انتهوا إلى أن يكون وجودهم موضع شبهة وأن يتخذ الارهابيون من دينهم وسيلة للتحريض عليهم.

كان علينا أن نقول "شكرا" لماكرون بدلا من أن  نلعنه.

ففي ما قاله الرجل ما يمكن أن يعيننا على فهم أنفسنا.