يحيى التليدي يكتب:
ماذا لو فاز بايدن؟
بعد ثلاثة أيام ستجري انتخابات الرئاسة الأمريكية. ونظراً لأهمية الرئيس الأمريكي في النظام السياسي للولايات المتحدة، وأهمية هذه الأخيرة في النظام العالمي، فإنه مع كل انتخابات وفي مثل هذا الوقت ينشغل الأمريكيون والعالم كله بمحاولة توقع من سيفوز ويصبح رئيساً لأكبر قوة عالمية، وماذا سيعنيه ذلك بالنسبة لاستراتيجيات أمريكا ومواقفها وسياساتها داخلياً وخارجياً.
ولعل الانتخابات الأمريكية هذه المرة هي أكبر انتخابات يصعب التكهن بنتيجتها ومن سيفوز فيها. استطلاعات الرأي العام تظهر كما ينشر تقدم بايدن على ترامب، وبناء على ذلك يرجح كثيرون فوزه. لكن كثيرين أيضاً، وبناء على السوابق ومنها سابقة انتخابات 2016، لا يأخذون هذه النتائج بجدية، ويرجحون فوز ترامب.
على أي حال، لنفترض جدلاً أن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية جو بايدن هو الذي فاز بالبيت الأبيض. هل ستتغير مواقف وسياسات واشنطن في الشرق الأوسط؟ كيف سيكون موقف بايدن من إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة؟
الأكيد أنه من مصلحتنا فوز ترامب، لأن توجهاته معروفة وتصب في مصلحتنا، خاصة مواقفه الحازمة تجاه مشروع إيران وإرهابها في المنطقة، وبلا شك أن هناك حالة من القلق أو حتى الانزعاج في الدول العربية، وخصوصا دول الخليج العربية، من احتمال فوز بايدن. ولكن في حال فوز بايدن لن يكون الأمر بذلك السوء، أو أنه بالفعل سيكون كارثياً على دول الاعتدال العربي كما يتمنى محور الشر في المنطقة.
فيما يخص الملف الإيراني، قد يلغي بايدن، إذا انتُخب، الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، أو يخفف بعض العقوبات من قبيل "خفض التوتر"، لكنه سيجد نفسه مضطراً للتشدّد في أي تسوية تفتح الاتفاق النووي لتعديله، فهو لن يستطيع أن يتجاهل التطورات الخطيرة التي حصلت خلال السنوات الأربع الماضية، وما فعلته إيران من عبث وتخريب في العراق ولبنان واليمن وسوريا عن طريق ميليشياتها من فساد وجرائم وتخريب، دفعت هذه الميليشيات لتكون أداة تهديد مباشر للمصالح الأمريكية وحلفائها.
أما مشروع أردوغان العثماني في المنطقة، والذي نفذ عمليات في سوريا، وأدخل بلاده في الصراع الليبي، واستعرض قوته في شرق البحر المتوسط، فإن تحجيمه وكبح جماحه، سيكون ضمن أولويات بايدن، فهو من منتقدي أردوغان حيث وصفه العام الماضي بأنه "مستبد"، وقال إن الولايات المتحدة يجب أن تتخذ نهجاً مختلفاً تجاهه، وهذا في نهاية المطاف سيصب في مصلحتنا تجاه هذا المشروع التوسعي الذي لا يقل خطورة عن مشروع إيران الثوري.
أما ما يتعلق بمعاهدات واتفاقيات السلام التي وقعتها مؤخراً كل من الإمارات والبحرين والسودان مع إسرائيل، فقد فرضت واقعاً جديداً على الساحة، لا يمكن إلا أن يأخذه الرئيس الجديد فيما لو فاز بعين الاعتبار. وبالتأكيد أن بايدن الذي رحّب بهذه الاتفاقيات لن يقدم على إلغائها، لما سيكون لذلك من ردات فعل سلبية لدى الناخبين الأميركيين اليهود. وبالعكس ستنتزع إدارة بايدن قيادة مشروع السلام في الشرق الأوسط وتعمل على توسيعه ولكن بشروطها.
وفي حالة فوز بايدن، فمن المتوقع أن تشغل الأولوية مسألة إصلاح العلاقات مع الحلفاء والأصدقاء من جهة، والمنظمات الدولية من جهة أخرى، وذلك في وقت ستشهد فيه العلاقات مع كل من روسيا والصين في بداية الأمر قدراً لا بأس به من التوتر، إلا أنه من المتوقع العودة إلى أنماط التعامل التقليدية التي تنطوي على المزيج بين التعاون والمنافسة.
ختاماً لا أتوقع أنه في حالة فوز بايدن ستكون هناك انقلابات أو تغيرات جذرية كبرى في مواقف وسياسات الولايات المتحدة تجاه ملفات المنطقة. وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، سيتعين على الدول العربية العمل على إيجاد السبل التي تؤمّن بها مصالحها بصورة أفضل في عالم تتراجع فيه بشكل تدريجي أهمية الدور الأمريكي.