يحيى التليدي يكتب:
مآلات الصراع في السودان
لم يعرف السودان استقراراً مستمراً منذ استقلاله، إذْ شهد 5 انقلابات عسكرية ناجحة، و32 محاولة انقلاب فاشلة، وحروبا أهلية دامية في الجنوب السوداني قبل انفصاله وفي إقليم دارفور.
ففي الـ 15 من أبريل/نيسان الجاري، اندلعت مواجهات مسلحة بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان و "قوات الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" في عدد من الولايات السودانية على خلفية توترات نتجت عن تباين مواقفهما من تفاصيل عملية دمج قوات الدعم في الجيش، والمناصب القيادية وفقاً لترتيبات "الاتفاق الإطاري" مع السياسيين المدنيين، الذي كان من المفترض أن يقود لتشكيل حكومة انتقالية تنهي الأزمة السياسية المستفحلة في البلاد.
وبعد ما يقارب الأسبوعين من اندلاع الأحداث في السودان، كل المؤشرات الإقليمية والدولية تدل على أننا أمام حرب واسعة ومأساة جديدة وفوضى إقليمية قد تستمر لفترة طويلة، وما فعلته الكثير من الدول بمسارعتها لإجلاء بعثاتها الدبلوماسية ورعاياها يشير بوضوح لهذه الحقيقة.
حتى الآن، فشلت كل المساعي العربية والدولية لوقف الاقتتال بين قوات الجنرالين، ولم تصمد أي هدنة معلنة ولذلك نحن أمام سيناريوهات محتملة لهذه الأزمة: أولها، انتصار الجيش السوداني وهزيمة قوات الدعم السريع بالكامل، وبالتالي يصبح انتقال السلطة إلى الأحزاب المدنية أمراً صعباً ومقيداً من الجيش الذي سيضع شروط المنتصر على طاولة النقاش مع القوى السياسية.
ولن يختلف الوضع كثيراً في حال سيطرت قوات الدعم السريع على السلطة، إلاّ أنه سيكون أكثر تعقيداً نوعاً ما من حيث المآلات المترتبة عليه خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ظروف تكوين هذه القوات وارتباطاتها، فليس منطقياً أن تتنازل قوات الدعم السريع عن السلطة وتسلمها لحكومة مدنية وتخرج كلياً من العملية السياسية كما يردد قائدها "حميدتي"، وإنما سيكون الانتصار في المعركة مغرياً بالتوسع في الطموح السياسي.
أمّا السيناريو الأكثر صعوبة هو استمرار الحرب دون منتصر، المعارك تدور في مساحات شاسعة وكلا الطرفين لديه قوات منتشرة فيها، عدا أنه لا أحد لديه تفوق عسكري نوعي أكثر من الآخر وفقاً للمعطيات على الأرض حتى الآن، وكلما طال أمد هذه المعارك، كلما أصبحت الأوضاع أكثر تعقيداً وقد تتطور إلى حرب أهلية ومناطقيّة دامية، وذلك يعني أن معاناة الشعب السوداني ستطول وتتعاظم وسيعيشون تداعيات هذه الحرب الكارثية من نزوح، ودمار، ونقص في الغذاء والدواء.
يبقى السيناريو الأرجح في تقديري، وبناء على سير المعارك على الأرض، أن تنتهي الحرب بالتفاوض وعودة العملية السياسية، وهذا إن حدث قد لا يكون في فترة زمنية قريبة، إذْ يسعى كلا الطرفين لتحقيق المكاسب قبل انجلاء غبار المعارك والجلوس إلى طاولة الحوار.
وبلا شك أن إنهاء الحرب بالتفاوض يتطلب جهداً دولياً كبيراً وربما مختلفاً عن السابق، ويعوّل بشكل كبير على الآلية الرباعية المؤلفة من السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة وكل الجهود الدولية والإقليمية لممارسة أقصى درجات الإقناع والضغط لوقف الاقتتال وقطع الطريق أمام أي تدخلات خارجية تسعى لإطالة أمد الصراع في السودان.
السودان في بداية أزمة خطيرة قد تتجه لحرب أهلية وكارثة إنسانية، ما لم تكن هناك إرادة سودانية داخلية في احتواء هذه الأزمة، والجنرالين "البرهان" و"حميدتي" أمام مسؤولية وطنية كبرى في لحظة تاريخية فارقة تجاه الشعب السوداني الذي لم يعد يحتمل المزيد من المعاناة القاسية، للخروج من الفوضى والاقتتال إلى فضاء الأمن والاستقرار.