يحيى التليدي يكتب:

حقبة جديدة في الشرق الأوسط

ليست بالمعلومة الجديدة، القول إنَّ منطقة الشرق الأوسط عُرفت بأنها ساحة صراعات ونزاعات وخلافات وحروب مختلفة

ومصدراً لكثير من الأخبار المُقلقة في العالم، إذْ مرّت المنطقة بأزمات متعددة وتحولات خطيرة جعلتها عنوانا دائما للفوضى وعدم الاستقرار.

منذ عامين ورياح التصالح لا تهدأ في منطقة الشرق الأوسط، مع خطوات التقارب والتطورات السياسية والدبلوماسية المتسارعة في مسار المصالحات وتهدئة التوترات بين مختلف القوى المتنازعة، خاصة بعد أن وجدت دول المنطقة نفسها مضطرة للتقارب أكثر، والنظر بجدية للمستقبل في ظل انقسام دولي غير معهود منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتحوّلات دولية عميقة أعادت ترتيب المصالح السياسية وسقوفها.

لا حديث اليوم كالحديث عن الاتفاق السعودي - الإيراني الذي جرى توقعيه بوساطة صينية في بكين الشهر الماضي، وجاء بعد عامين من جولات التفاوض الشاقة بين الطرفين في بغداد ومسقط.

شكّل هذا الاتفاق تحوّلاً تاريخياً ومفاجئاً لكل السياسيين والمراقبين، فما عجزت عن فعله القوى الغربية حيال الأزمة الأكثر تعقيداً في المنطقة، استطاعت الصين تحقيق اختراق دولي حقيقي لهذه الأزمة كراعية وضامنة لهذا الاتفاق.

ليس غريباً الانخراط الصيني في هذا الملف، فهي تمتع بعلاقات متميزة مع كلا الطرفين وأيضاً تسعى لحماية مصالحها الاقتصادية الكبيرة في المنطقة وتوسيع خارطة نفوذها كقوة دولية مؤثرة.

بالتأكيد أن "اتفاق بكين" بانتظار التنفيذ والتطبيق والالتزام، ولو كتب له النجاح ولو بشكل نسبي عبر حلحلة بعض الصراعات، وتعزيز حسن الجوار وتفعيل الاتفاقيات الأمنية بين الرياض وطهران، سيعد إنجازاً للصين وسيكون له ما بعده من أحداث وتحالفات.

القيادة السعودية التي تسعى دائماً إلى الإصلاح والتنمية والأمن الإقليمي وتجاوز صعوبات الماضي أثبتت أن لديها من الشجاعة السياسية والرؤية الواقعية أن تتفاعل مع المبادرة الصينية، وتتطلع إلى المستقبل دون عُقد أو قلق، خاصة أن الرئيس الصيني هو ضمانة الاتفاق، والصين لا تضمن ما لا تستطيع حمايته وإنفاذه.

وإن التزمت طهران ببنود "اتفاق بكين"، وغيّرت سياساتها الخارجية إلى مسارها الصحيح، وأدركت أنه حان الوقت لأن تتصرف كدولة تحترم المواثيق والمعاهدات الدولية وتكون عضواً فاعلاً في أمن المنطقة، فإن انعكاسات ذلك ونتائجه ستعود عليها بالخير والنماء وستكون شريكاً اقتصادياً واستثمارياً فاعلاً لدول الخليج للمساهمة في نقل المنطقة برمتها إلى مستوى جديد على الصعيد الدولي.

يدخل الشرق الأوسط حقبة جديدة من الوفاق والسلام. التطورات الأخيرة في المنطقة بدءاً بالانفتاح العربي على سوريا، وجهود إنهاء الأزمة اليمنية، وعودة العلاقات العربية التركية لطبيعتها، وليس آخرها الاتفاق السعودي الإيراني، كلها مؤشرات على رغبة جادة من كل القوى الإقليمية بنزع فتيل الأزمات، وتصفير المشكلات، وتعزيز التعايش والأمن المشترك، وتعظيم فرص التطور والتنمية والرخاء.