د. ابراهيم ابراش يكتب:
هوامش على الانتخابات الأميركية
يُجمع كل المتابعين للانتخابات الاميركية أنها الأكثر إثارة واهتماما ليس فقط على المستوى الداخلي الأميركي من حيث نسبة المشاركة وحدة التنافس بل أيضاً على مستوى الاهتمام العالمي حيث لم يترك الرئيس ترامب دولة باستثناء إسرائيل إلا وتصادم معها أو أثار لديها التخوفات، حتى المنظمات الدولية لم تنج من مناكفاته، إلا أنه وسط الغضب والسخط على الرئيس ترامب فإن هذا الأخير بسياساته الصادمة خدم الدولة الأميركية بطريقة غير مقصودة منه وربما مقصودة من الدولة العميقة التي جلبته أو ساعدت على ذلك.
فنتيجة سياسة ترامب وشخصيته المستفزة بدت الولايات المتحدة ما قبله وكأنها كانت على المستوى الداخلي واحة ومثالاً للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وعلى المستوى الدولي دولة مسالمة تلتزم بالقانون والشرعية الدولية، وأن الرئيس ترامب هو الذي شوه صورة أميركا، وبالتالي فالخلل في الرئيس ترامب وليس في الدولة الاميركية.
ومع وجود ترامب تم توجيه كل الغضب والرفض للسياسة الأميركية العدوانية والإمبريالية التي تراكمت طوال عقود وحتى في عهد أوباما إلى رئيس الدولة ترامب وليس إلى الدولة ذاتها، ولم تعد المشكلة في الولايات المتحدة وسياساتها بل في الرئيس ترامب، وبهذا بيَّض ترامب صفحة الدولة الأميركية من كل ما شابها من تشوهات وما اقترفته من جرائم وأخطاء في تاريخها الإمبريالي وخصوصا أثناء ما يسمى الحرب على الإرهاب واحتلال أفغانستان والعراق، وبذهابه ستعود أميركا في نظر مواطنيها والعلم تلك الدولة الديمقراطية المسالمة الرافضة للعنصرية والمتصالحة مع العالم.
لا شك أن سياسات ترامب الداخلية والخارجية خلال أربع سنوات جعلته يبدو وكأنه يريد أن ينقلب على الدولة العميقة ويُعيد ترتيب التوازنات داخل المجتمع الأميركي وهي توازنات ترسخت وتراكمت خلال قرنين ونصف تقريبا -منذ الثورة الاميركية التي تواصلت من 1775 إلى 1783- كما بدا وكأنه يريد أن ينقلب على النظام الدولي، وذلك بسبب مبالغته في الخروج عن النص –أسس ومرتكزات النظام السياسي والاجتماعي الأميركي- لذلك تمرد عليه الشعب والدولة العميقة من خلال الماكينة الانتخابية.
لأن كل الفضائيات ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي غطت الانتخابات الاميركية ونقلت للعالم وقائع ومعلومات عن المجتمع الأميركي ربما لم تكن معروفة للجميع من قبل، فسنقتصر في هذا المقال على تسطير بعض الهوامش على الانتخابات الأميركية وما يميزها عن سابقاتها:
- ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات إلى حدود 70% وهي نسبة غير مسبوقة منذ 120 عام، كما أن نسبة مشاركة المسلمين والأقليات العرقية كانت مرتفعة جداً حيث وصلت 80% ولعبت أصوات الأقليات دوراً في حسم نتيجة انتخابات بعض الولايات.
- بروز حالة استقطاب عرقي وحدة احتقان داخلي بشكل غير مسبوق لدرجة تخوف البعض من صدامات وحرب أهلية في بعض الولايات.
- لأول مرة يجري الحديث عن تزوير الانتخابات من رأس الإدارة التنفيذية.
- استطلاعات الرأي تقول بأن 75% من اليهود صوتوا لصالح بايدن بالرغم مما قدمه ترامب من دعم غير مسبوق لإسرائيل، وهذا يحتاج لوقفة تأمل ومراجعة لدور اليهود في العملية الانتخابية وما إن كان موقف المرشحين للرئاسة من إسرائيل هو العامل الموجه لأصوات اليهود أم عوامل لها علاقة بالسياسات الأميركية الداخلية.
- حتى مع هزيمة ترامب فالفارق بين الأصوات محدود جداً وهذا يعني أن نهجه وسياساته اليمينية المتطرفة لها قوة حضور عند الأميركيين وسيحتاج بايدن لجهد كبير حتى يُعيد التئام الجرح المجتمعي.
- صوَت الأميركيون ضد سياسة ترامب وشخصيته الاستفزازية وليس دعماً واعجاباً ببرنامج بايدن أو شخصيته، بمعنى أنه كان تصويت انتقامي.
- بالرغم من حدة الاحتقان المجتمعي وحالة التحشيد العرقي إلا أنه لم تجري أي احداث كبيرة تًعيق العملية الانتخابية وهذا يسجل لصالح الديمقراطية الأميركية.
- الاهتمام العالمي بالانتخابات الاميركية ونتائجها يؤكد بأن الولايات المتحدة ليس فقط دولة عظمى بل اعتراف بأن ما يجري فيها من متغيرات يؤثر على العالم.