فاروق يوسف يكتب:
من يلوم الأكراد؟
ربما ستقوم يوما ما دولة كردية. ذلك لن يكون مستبعدا إذا حصل توافق دولي من نوع ما. ولكن الظروف الاقليمية الحالية لن تسمح بذلك. للأكراد خبرة في ذلك الموضوع. لذلك فإن أوضاعهم اليوم في العراق تعد مثالية في حالة غياب ذلك الحلم الذي يمكن اعتباره مؤجلا.
الأكراد العراقيون هم أفضل حالا من أشقائهم في تركيا وإيران وسوريا. لديهم أقليم معترف به دوليا ضمنيا وتلك هي واحدة من مفارقات العراق السياسية اسمه الرسمي "كردستان" وهو ما نص عليه الدستور العراقي.
ذلك الأقليم هو في الواقع دولة مستقلة. حدود وعلم وجيش ومجلس نواب وحكومة بوزراء ومحافظات. ينقص تلك الدولة الاعتراف الدولي الرسمي. ذلك لم يحصل اليوم غير أنه قد يحصل غدا. مَن يدري.
كردستان تملك ممثليات رسمية لها في عدد من دول العالم المهمة. غير أنها أيضا حولت عددا من سفارات العراق التي يديرها سفراء أكراد إلى واجهات لها في العالم.
ذهبت ذات مرة إلى سفارة العراق في استكهولم ففوجئت أن جميع العاملين فيها يتحدثون اللغة الكردية ولا يجيدون اللغة العربية. يومها شعرت بأني في حاجة إلى مترجم وأنا في سفارة بلادي.
عمليا فإن كردستان دولة مستقلة ولكنها تعيش على حساب العراق.
أنا من مناصري القضية الكردية ولكني لا أرغب في أن أرى الأكراد وهم يلتهمون العراق الذي صار ضعيفا إلى درجة أنه لم يعد في إمكانه أن يدافع عن نفسه.
مَن يدافع عن الأكراد لابد أن يشعر بالاحباط وهو يراقب ما الذي تفعله زعامتهم وهي تدير علاقة الإقليم بما صار يُسمى العراق من قبل الأكراد. عبر السنوات التي تلت الاحتلال الأميركي كانت أربيل تبتز بغداد ولم نر بغداد في موقف المتحدي إلا حين قررت الولايات المتحدة رفض نتائج استفتاء الاستقلال عام 2017.
ولكن ذلك لا يعني أن كل الامتيازات التي يتمتع بها الإقليم قد حسنت من أوضاع سكانه المعيشية. هناك فقر وفقراء. هناك بطالة وعاطلون عن العمل بينهم الكثير من خريجي الجامعات. هناك ضعفاء في مواجهة استقواء الحزبين الحاكمين بالسلاح وهناك مثقفون مغيبون.
لا أحد في إمكانه أن يوجه اللوم للأكراد عامة إلا في نقطة واحدة. يمكن الضحك عليهم بيسر من خلال حلم الدولة القومية الذي يعرف سياسيوهم أنه لن يتحقق للأسباب المشار إليها سلفا ومع ذلك فإن أولئك السياسيين يستعملون أحداثا تاريخية لا يمكن أن تتكرر وسيلة لغسل أدمغة البسطاء ويضعونهم بين القبول بشروط حياتهم المزرية أو الموت القادم من الجنوب لكي لا نقول من العراق.
أدهشت حركة العمران التي شهدتها أربيل كل من زارها. ولكن ذلك المشهد ليس سوى قشرة تخفي مشاهد قاسية يتعامل معها الأكراد بطريقة مَن يرضى بالأمر وهو واقع خوفا من الأمر منه الذي قد يكون مجرد وهما، بعد أن سقط النظام المركزي وتدهورت أحوال الدولة العراقية وصارت الميليشيات تتحكم في الكثير من شؤونها.
عراق اليوم ليس عراق صدام حسين. ذلك هو الواقع. أما الحقيقة فإنها تكمن في أن العرب، عرب العراق لا يحملون مشاعر سيئة لأكراده. الدليل المبسط على ذلك أن هناك مناطق في بغداد يحمل كل واحد منها التسمية نفسها. حي الأكراد. وهي مناطق ذات غالبية كردية.
كان الأكراد دائما جزءا من التركيبة السكانية لمدينة بغداد. ولم يكن مستهجنا أو غريبا أن يقف الكردي على رأس السلم في منصب رفيع بالدولة. لم يكن المرء ليحتاج عبر تاريخ الدولة العراقية للبحث عن الهوية العرقية والمذهبية لهذا الموظف أو ذاك. كان العراق عراق الجميع الذي لم يكن جنة غير أنه لم يكن بلد الهويات المتقاتلة إلا حين حل به الخراب مع الاحتلال الأميركي.
لقد تم تسليط الضوء على حروب الإبادة التي شنها نظام صدام حسين على الأكراد. تلك وقائع تاريخ مؤلم وقاس ولكن لم يتساءل أحد عن الدور الذي لعبه الحزبان الكرديان، "الديمقراطي" و"الاتحاد" في التسبب بتلك الحروب. تلك نقطة ظلت غائبة. اما لأن هناك خوفا من المساس بالمشاعر الإنسانية للأكراد أو أن الحزبين قد ضللا الأكراد بطريقة عدوانية جعلتهم يرفضون أي نقد يوجه إلى الطرف الكردي.
يكدس حزبيو الأكراد الأموال التي هي من حق المواطن الكردي العادي في مصارف عالمية فيما يعاني ذلك المواطن الأمرين وهو يقف حائرا في انتظار قيام دولته.