د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

هل نفهم نهاية الطغاة والصالحين؟‍!

 تبدو نهاية الدنيا في بعض الأحيان كوميديا تدعو للضحك وليست خاتمة المطاف أو نهاية الدور الأخير على خشبة المسرح، فقد ينتهي طاغية في الدنيا بما يستحقه من لعنة الله والملائكة والناس أجمعين كما حصل مع ميلوسوفيتش في صربيا. أو على العكس قد يودع الحياة هنيئا مريئا مرتاحا على كرسي السلطة ويحكم من قبره كما حصل مع جنكيزخان. وإذا كان تشاوسيسكو قد دلف إلى قبره باللعنة والرصاص فإن نظرائه وهم كثر ماتوا بالهتاف بحياتهم ولطم الخدود لفقدانهم. وهناك من زحفت في موته جماهير هائلة بحيث يفرك المرء عينه ولا يصدق هل هو المجنون أم هم المجانين؟ إنها جدلية محيرة ليفهم هذا اللغز. وأحيانا يمسك الإنسان رأسه بين يديه ويتساءل هل  ختم الله على قلوبنا وعلى سمعنا وأبصارنا في حين  تجري الأمور وفق قانون الطغاة  الخاص وترزح الشعوب في العذاب المهين وتتحمل الأمم كثيرا ويموت الكثير من الطغاة بكل سؤدد وفخار؟!!.

شاه إيران  ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه وظن أن لا ملجأ إلا أمريكا فخذلته ورفضت استقباله وسمحت له بالعلاج خلال فترة مرضه فقط.. مع أنها هي التي صنعته على عينها...  وبعد العلاج دفع بعربة من البوابة الخلفية للمستشفى فخرج!!

وفي مصر فتح يديه بالهبات والمجوهرات التي كان يحملها معه في حله وترحاله عسى أن تؤلف القلوب، وقيل انه حمل معه من ثروة إيران ما زاد عن خمسة مليارات دولار، واعترف مسئول بنكي سويسري بأن ثروته زادت عن عشرين مليار دولار!‍‍!

إن أمريكا تستخدم الطغاة ولا تحبهم، فهي تصيخ السمع لخونة الشعوب ولكنها لا تحب الخائن وتعرف أن دور الجلادين لا يزيد عن «ممسحة زفر» !ّ!

هكذا رسم مصير الطغاة في التاريخ بريشة سريالية. فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا. «وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون». هكذا يرسو مصير الطغاة بين طلقة في الرأس مع جرعة سيانيد كما انتهى هتلر وبين فرعون يغرق في اليم هو وجنوده أجمعين،  وبين تشاوسيسكو التي انشقت الأرض من تحت قدميه فابتلعته، وبين من دارت عليه الدائرة بعد طول جبروت ليعلق من قدميه عاريا كالخروف في المسلخ في ساحة عامة كما حصل لموسوليني وعشيقته كلارا بيتاتشي أو إمبراطور الحبشة هيلا سيلاسي الذي أودع دورة المياه وردم فوقه بالاسمنت.

كما كانت نهاية الطاغية عبد الفتاح إسماعيل أن أحترق داخل دبابة ،وكان مصيره مماثل لجلادي الحزب الاشتراكي الذين قتلوا وسحلوا علماء الدين وفرسان القبائل ومن نجا منهم لا زال مشردا لا منصب ولا جاه تطارده اللعنات والخزي وعذاب الآخرة أشد عند الله يوم الحساب !!

ولكن التاريخ يفاجئنا بصورة  غير مكتملة، بل أحيانا مقلوبة الظل حيث مات ستالين في كل طغيانه وعنفوانه وكانت نظرة مريبة منه إلى احد أعضاء المكتب السياسي تجعله  يرتجف هلعا بقية حياته حتى يرضى، كما ذكر ذلك فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب «نهاية التاريخ». ومات فرانكو طاغية اسبانيا عزيزا كريما ووضع جثمانه في ضريح عظيم في مبنى هائل بناه أعداؤه من الشيوعيين المعتقلين، فهو نصب خالد لكل من زار مدريد. وأما لينين فمات وهو يرسل الناس إلى الموت بإشارة وكلمة كما كشفت الأبحاث الحديثة عن رسائله الأصلية المكتوبة بخط يده والمودعة في سرداب فظيع محفور تحت الأرض بثلاث بوابات مصفحة يصمد لقنبلة نووية.

إن لينين كان مفكرا وكاتبا قبل أن يكون حركيا وكتب ما يزيد على خمسين كتابا تمثل الوحي المقدس عند الشيوعيين  ولكن أوامر الإعدام كانت عنده قضية روتينية  فعندما تمرد الفلاحون على المزارع الجماعية (الكولخوز) بعد أن صودرت محاصيلهم كانت أوامر لينين تقضي بانتقاء مائتين من كرام القوم وإعدامهم أمام أعين الملأ وان يحشر الناس ضحى. فهذه هي أساليب الفراعنة جرت قانونا سرمديا إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى التاريخ إذا يظهر ثلاثة صور متباينة: طغاة يَقتلون ويُقتلون. وطغاة يَقتلون ويُحملون على محفة عسكرية بكل مظاهر التكريم إلى قبورهم فيدفنون في ضريح عظيم كما حصل مع جثة لينين.

وعلى العكس من ذلك بنهاية بعض الصالحين والفلاسفة والأنبياء الذين عذبوا وشردوا وقتلوا بدون قبر!!

بقدر نجاة الكثير من الطغاة بجلودهم في عزة وشقاق، أو بالعكس بمصرع الكثير من المصلحين حرقا أو ضربا بالرصاص أو صلبا أو شنقا...مات الحسين وجميع آل البيت معه ذبحا على يد يزيد الخليفة الأموي. وأنهى المفكر السوداني محمود طه حياته وهو يتأرجح على حبل المشنقة بتهمة الردة. ماتوا جميعا لا لذنب فعلوه بل من اجل أفكارهم...  فقد حكم رمسيس الثاني سبعين سنة وأنجب مائة من الأولاد، وبقي الفرعون بيبي الثاني متربعا على سدة الحكم تسعين سنة، وأما فرانكو فقد استمر يركب ظهور العباد يقودهم بالسوط أربعين سنة كاملة. وأما موت الطغاة والجبارين فهو شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. إن موت الطاغية هو نهاية نظام ونخبة لأن الحاكم لا يحكم بنفسه بل بشبكة جهنمية يديرها من حوله رهط أتقنوا الإجرام واستكان لهم الناس بالفزع الأكبر. لكن الذي يحدث يتكرر كما حصل مع شاه إيران عندما قال: إن حولي 750 ألفا من الجنود والضباط فمن يريد الوصول إلي عليه أن يقفز فوق رؤوس هؤلاء أجمعين.

وبعد هذا كله هل يعتبر الطغاة الجدد في اليمن من التاريخ ؟؟ أم أنهم ينتظرون نفس مصير من سبقوهم من  قبل ؟!!

د. علوي عمر بن فريد