محمد أبوالفضل يكتب:
شبكة أمان عربية من مصر والسعودية والإمارات
مثلت مصر والسعودية والإمارات خلال السنوات الماضية صمام أمان عربي، ليس لحماية مصالح دولها فقط، بل لتقليل المخاطر وانعكاساتها على دول عربية أخرى، كانت التصرفات الإيرانية والتركية سببا رئيسيا فيها، ناهيك عن الوقوف في وجه التنظيمات المتطرفة، والدخول في حرب ضروس لمواجهة الإرهاب وفلوله.
مع حديث التطبيع وما ينطوي عليه من محتوى إقليمي، بدا كأن هناك انحرافا في شبكة الأمان هذه أو ميلا لتحجيمها، على اعتبار أن دخول إسرائيل في منظومة جديدة وطرف فاعل فيها يأتي على حساب مركزية مصر، التي لم تظهر حماسا للتجاوب معها، خوفا من توابع إقليمية، ترخي بظلال قاتمة على دور القاهرة التاريخي.
زاد من القلق المستتر بين صمام الأمان العربي، ظهور إشارات أوحت أن كل دولة تتصرف بما يخدم مصالحها، بغض النظر عن تأثيرات ذلك على الشركاء الآخرين، بشكل لم يكن معهودا منذ أن اتسمت العلاقة بين الدول الثلاث بالمتانة، وتحولت إلى رافعة في مواجهة التهديدات، وأسهمت في التصدي لبعض الأزمات المصيرية.
بالطبع هناك فواصل وفروق نسبية في تفاصيل المواقف من بعض القضايا الإقليمية، وهي المساحة التي تساعد كل دولة على الاحتفاظ بدرجة من الخصوصية، معروفة ومفهومة سياسيا، لكنها لا تقود إلى الصدام أو الخلاف بصورة مكشوفة، ما حافظ على استمرار وتيرة التنسيق في محكات أساسية، بين مصر والسعودية والإمارات.
مع الحديث عن انفتاح سياسي محتمل بين السعودية وتركيا مؤخرا، أخذت بعض الدوائر المصرية تتشكك في قدرة الشبكة الثلاثية على الصمود، فأي مصالحة منفردة مهما كانت دوافعها السياسية، سيفهم منها أن الرياض اختارت حلا على مقاسها بلا مراعاة لشريكتيها اللتين تخوضان أزمة مع تركيا، من أرضية مختلفة بعض الشيء.
فتحت إرهاصات الحوار السعودي – التركي بابا للسؤال عن أهمية مراعاة موقف مصر والإمارات، فإذا تطور الحوار لمصالحة فقد يضع حملا سياسيا على الرياض، يكبلها في تطوير علاقتها بالقاهرة وأبوظبي، وبالتالي الحفاظ على تماسك شبكة الأمان.
جرّت هذه المسألة معها حديثا حول التباين في آلية التعامل المنتظر مع الإدارة الأميركية في عهد جو بايدن، حيث كانت هناك تفاهمات صريحة وضمنية للدول الثلاث مع إدارة دونالد ترامب، حققت أهدافها.
ويمكن أن تشهد تغيرا مع بايدن، الذي جاء ومعه أجندة محمّلة برؤى منفصلة في قضايا تهم المنطقة، لدى كل دولة حسابات متفاوتة معها، يجب ألا تكون مدخلا لفصل عرى تحالف قد يكون قابلا للنمو.
نبعت مكونات شبكة أو صمام الأمان من القدرة على مواجهة العواصف التي هبت، ونجاح التنسيق المستمر في عدد معتبر من الملفات الحيوية، وتبني رؤية متطابقة أو متقاربة، حافظت على المتانة أمام محاولات الاختراق الحثيثة، ولم تجعل الجوانب المُختلف عليها وحولها تؤثر سلبا على التوجهات العامة.
وفّرت هذه السياسة قوة مضاعفة للدول الثلاث مجتمعة، وحافظت على احترام الهامش الذي تتحرك فيه بصورة منفصلة، في اليمن وسوريا وليبيا والعراق وغيرها، وبقيت عناوين التوافق الرئيسية صامدة، ولها مردودات قوّضت كل خلاف.
وسط مستجدات صاعدة في المنطقة أمام الدول الثلاث أحد طريقين، التصرف بشكل أحادي وعدم الاكتراث بمدى التأثير على الدولتين الأخريين، وله تكلفة باهظة على المدى البعيد، أو الحفاظ على حد جيد من التنسيق والعمل على تخفيف حدة التناقضات، وتطوير الصيغة الراهنة بما يتماشى مع تعاظم التحديات التي تمر بها المنطقة.
تكمن مزايا الطريق الثاني في أن هناك عنصرا وافدا، وهو إسرائيل، من المرجح أن ينخرط بقوة في قضايا إقليمية حيوية، بالتالي سوف تتغير توازنات عديدة قامت على بقاء إسرائيل كعدو محوري للعرب.
وعندما تتحول إلى صديق، وربما حليف، من المفيد أن تكون شبكة الأمان مستمرة، ويتم السعي لتطوير دينامياتها لتصبح أكثر قوة، كي لا تتحول إسرائيل إلى قائد لمعسكر عربي كبير، يوحي بأنه يدور في فلكها بلا إرادة أو تقوده لتحقيق أغراضها.
أعتقد أن هذا التفكير، وأكثر منه، مطروح في أروقة سياسية عدة، تأكدت أن أي فتور أو إقدام على خطوة منفردة، يمس عصب الدول الثلاث في الصميم، وكانت إحدى معضلات الأزمة مع قطر أن المقاطعة جماعية والمصالحة يجب أن تكون كذلك.
في حالة التعامل مع تركيا وإيران وإسرائيل، والإدارة الأميركية الجديدة، بما يختلف عن المسارات المعتادة، تصبح زيادة التنسيق في المواقف أحد عناصر الأمان للدول الثلاث، التي إذا انفرط عقدها سوف يصطحب معه تداعيات خطيرة على المستوى العربي العام، الذي يعاني أصلا من اختلالات هيكلية، يمكن أن تزداد ملامحها وقت أن تتفكك شبكة الأمان الرئيسية.
تمثل المعطيات الحالية اختبارا لصمود هذه الشبكة، ما يفرض العمل على تطويرها وليس التخلص منها، الأمر الذي تدركه قيادات الدول الثلاث التي من المتوقع أن تزداد وتيرة الحوارات بينها الأيام المقبلة، فلا توجد رفاهية لمماحكات، ولو غير متعمدة.
من الملاحظ أن الأحداث مع إيران قابلة للانفجار في أي لحظة، وقطار التطبيع سوف يمضي لمدى بعيد، وتركيا لن تصمد طويلا أمام الضغوط التي تتعرض لها من جهات غربية متعددة، وكلها محددات ربما تترتب عليها تحولات عميقة تستوجب الاستعداد العربي لها، وهو ما يفرض على الدول الثلاث نسقا سياسيا أكثر مرونة للتعاون.
وجدت الدول الثلاث صيغا عدة لتوسيع القواسم المشتركة، وتجاوزت مطبات ليست هيّنة، وعليها عدم الوقوف عند بعض الحساسيات، أو التركيز في المواقف الرمادية، والنظر للأمر من زاوية المصالح الاستراتيجية، والتعامل معها على أنها شبكة أمان لها جميعا، ولجزء معتبر من الأمن القومي العربي الذي تآكلت الكثير من جوانبه.
يتطلب ذلك البحث عن تفاهمات واجبة، ففي ظل خارطة تتشكل للمنطقة لا أحد يعرف هويتها بالتحديد، من المهم الحفاظ على الوجود العربي قويا فيها، ولن أقول مهيمنا.
يأتي مصدر القوة المتاح من رحم مواصلة التنسيق بين الدول الثلاث التي عليها أن تتبنى مشروعا طموحا لتقليل نسبة الهدر في الجدار العربي، وقد يكون هذا الخيال منطقيا إذا تبنى المجتمع الدولي مقاربة توقف التغول الإيراني والتركي في المنطقة.