رياض بوعزة يكتب:

لماذا يتعذر إصلاح المنظومة الأمنية في تونس؟

رغم الأهمية الكبيرة التي أولتها تونس للانتقال السياسي بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي قبل نحو عقد من الزمن، لكن من اللافت أنه لم ينعكس ذلك على عدة قطاعات تشكل أعمدة بناء الدولة، ومن بينها المنظومة الأمنية، والتي تعد الضامن الأول لاستقرار أي بلد، بهدف المضي قدما في ترسيخ ديمقراطيتها الناشئة.

عندما يكون السجال السياسي بين الأحزاب حول قضايا معينة مهيمنا على المشهد التونسي، فإن غياب خطوات ملموسة باتجاه إشراك أصحاب الشأن في النقاشات الأمنية لبناء القدرات والخبرات للسلطات المدنية، المتمثلة في الحكومة، وزارة الداخلية ووزارة الدفاع وكذلك البرلمان، المنقسم على نفسه، سيجعل من إصلاح المنظومة الأمنية أمرا مؤجلا.

أحد الدروس الرئيسة في عملية الانتقال الديمقراطي بعد خمسة استحقاقات انتخابية، والتي يمكن قراءة الكثير من التفاصيل في طياتها، هو مقدار تطبيع السياسة على المشهد العام، مما أدى إلى التغاضي عمدا، أو عن غير قصد، عن عدة أمور مستعجلة من بينها تطوير هذا القطاع الذي حقق نجاحات في مكافحة الإرهاب، رغم الفراغ الذي طرأ بعد انتفاضة يناير 2011.

الإسراع بتشكيل لجنة وطنية متعددة الاختصاصات تعنى بوضع إستراتيجية وطنية لإصلاح منظومة الأمن وتحديد الأولويات والأهداف، يعتبر من أهم الأولويات

ومنذ ذلك التاريخ، لا تزال الساحة السياسية تشهد تطورات مستمرة. ومع أن تونس تعتبر الحفاظ على الأمن من بين أولوياتها الأكثر إلحاحا، في ظل حالة الطوارئ المستمرة منذ نوفمبر 2015، والتي جعلت الأجهزة الأمنية تتعرض لعدة تحديات من بينها خطر قيام مجموعات متطرفة بهجمات، إلى جانب انتشار التهريب من البلدين المجاورين ليبيا والجزائر، ويشمل ذلك تهريب الأسلحة، لكن يبدو أن هناك قصورا في معالجة ذلك على النحو المطلوب.

ويحيلنا هذا الأمر إلى التساؤل حول قدرة الدولة على معالجة القضايا الأمنية، وما إذا كانت بالفعل قطعت مع المنظومة القديمة ومع المشكلات السياسية والأمنية المؤثرة على واقع العملية الإصلاحية ومسار التحول الديمقراطي لمعرفة الجواب المحوري عن سؤال: لماذا تعذر إصلاح قطاع الأمن حتى الآن؟

تأتي مشاركة وزير الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، الخميس الماضي، في جلسة النقاش في مجلس الأمن حول موضوع “حوكمة قطاع الأمن وإصلاحه” كاستمرار لمشاركات تونس في القيام بواجباتها تجاه المجتمع الدولي لتحقيق غاية وحيدة وهي استقاء التجارب وأخذ العبرة منها مع المتغيرات التي حصلت في العالم وخاصة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومع أن تونس لا تمر بحالة حرب قياسا بدول “الربيع العربي” حيث تم تدمير الأجهزة الأمنية والعسكرية فيها، إلا أن إقرار النفطي بأن حوكمة وإصلاح قطاع الأمن يظلاّن العنصر الأهمّ لإنجاح أي تسوية سياسية – وهنا كان يقصد الدول التي تواجه حروبا عسكرية – ما يعني ضمنيا أن هناك إشكاليات تعرقل تثبيت الانتقال الديمقراطي بالبلاد.

لقد اتخذ البرلمان، الذي سيطر عليه الإسلاميون (حركة النهضة) في العام 2014 خطوات مهمة للإشراف على قطاع الأمن وإدارته من خلال تقسيم لجنة الأمن والدفاع القديمة إلى لجنتين، الأولى عُهد لها القيام بسن القوانين والتشريعات، أما الثانية فتم تكليفها برقابة تطبيق توصياتها. لكن إلى حد الآن لم تُظهرا فاعلية أكبر بالمقارنة مع اللجنة التي كانت موجودة. ومنذ ذلك التاريخ سنت اللجنة أكثر من عشرين تشريعا لم تتم الموافقة على أغلبها.

إن إمكانية إصلاح المنظومة الأمنية في تونس لا تتعارض مع مسار الانتقال الديمقراطي، وإنما تتسق معه ضمن مجموعة من المعايير التي لا تزال مغيبة، ومن بينها تجنب التوظيف السياسي للمسألة من طرف كل الفاعلين والمتداخلين مع بناء قدرة السلطة السياسية على وضع الإصلاحات وقيادتها بشكل جدي.

الأجهزة الأمنية تتعرض لعدة تحديات من بينها خطر قيام مجموعات متطرفة بهجمات، إلى جانب انتشار التهريب من البلدين المجاورين ليبيا والجزائر

كما أن الإسراع بتشكيل لجنة وطنية متعددة الاختصاصات تعنى بوضع إستراتيجية وطنية لإصلاح منظومة الأمن وتحديد الأولويات والأهداف، يعتبر من أهم الأولويات، إلى جانب الشروع في إصلاحات هيكلية تحد من تداخل الأجهزة الأمنية في ظل نشوء نقابات تتكلم كل منها بألوان الإدارة التي تنتمي إليها، وكذلك إعداد مراجعة تقييمية ودورية مع التأكيد على أن إصلاح المؤسسة الأمنية جزء لا يتجزأ من الإصلاح الدستوري والسياسي.

في فبراير 2017، أشار تقرير بعنوان “حوكمة المنظومة الأمنية في تونس” أعدته الجمعية التونسية للحوكمة إلى أنّ الاضطرابات السياسية تعيق فعليا عميلة الإصلاح، وهذا الوضع ساهم بشكل مباشر في بروز انقسامات عميقة داخل وزارة الداخلية بسبب الولاءات السياسية والحزبية، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تصدع المنظومة.

هذا المؤشر وغيره من المؤشرات الأخرى تعطي دليلا على أن الشفافية غائبة في واقع النظام السياسي العاجز عن التعامل مع تلك القضية كمسؤولية رئيسة في سياق الأمن القومي، خاصة مع ظهور جدل بين الفينة والأخرى حول احتمال وجود حالات فساد داخل المنظومة الأمنية، وبالتالي فإن محاولات الترويج للإصلاح السياسي مع مواصلة العمل كالعادة بوضع المنظومة الأمنية الراهن لا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق النجاح المستهدف.