د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

السخرية السياسية في اليمن !!

السخرية التي وصفت بأنها أعلى درجات الفلسفة، ووصفت بالكوميديا السوداء والاحتجاج الناعم والتحايل على المفارقات واللعب مع الوجع، ستبقى لغة المسحوقين و"الغلابة" وصديقة الشعوب المقهورة، ومهما اتخذت من أشكال اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، تبقى في جوهرها لغة سياسية سلمية ومؤثرة تحرض ابتسامتك المبللة بالدموع.
ويرى الكاتب محمد أنعم مؤلف كتاب " النكتة السياسية في اليمن" إن النكتة والسخرية عكست نضوجاً فكرياً وسياسياً تميز بها قائلوها، بالإضافة إلى امتلاكهم لقدرات مكنتهم من توظيف النكتة توظيفاً رائعاً كوسيلة من وسائل مواجهة ومقاومة سياسة الأئمة ومن جاء بعدهم من حكام اليمن !‍!
ويرى أنعم، أن النكتة السياسية في اليمن تتميز بأنها ترتبط بالزمان والمكان وبهوية قائلها. ولهذا تعرف اسم صانعها ومن هو وزمان ومكان ومناسبة قوله للنكتة، التي هي ليست مجرد تندر عام، ولا من صنع مخابراتي إنما هي نتاج لمواقف عبر عنها أصحابها بسخرية وشجاعة في وجه الحكام داخل بلاط الحاكم.
كما أن النكتة السياسية اليمنية لم تكن مجرد فكاهات وطرائف تقال لإضحاك الحاكم وحاشيته أو لتلطيف مجلسه، بل إنها كانت أشبه بانفجارات مدوية تعكس موقف قائليها وانتقادهم بأسلوب ساخر وعلني لنظام الحكم وأخطائه - كما كانت النكتة معبرة عن نبض وهم المواطن اليمني ومن ذلك :

1. الفساد المزمن وسؤ الإدارة في اليمن :
في مقابله للمرحوم عبدالله الأصنج يقول من المواقف ألمحرجة التي تعرضت لها عندما كنت وزيرا للخارجية في اليمن عام 1979م:
وردتني شكوى من المؤسسة الاقتصادية تقول : إن القمح المستورد من ألمانيا غير صالح فاستدعيت السفير الألماني وبعد حضوره تكلمت حول موضوع القمح المنتهي الصلاحية ولاحظت برود على وجه السفير وغضبت وازددت في التوبيخ له وهو جامد لا يرد بكلمه واحده وبعد ما انتهيت قال لي : خلصت ما عندك يا سيادة الوزير؟!! قلت نعم.. قال : انتم في اليمن عندكم موسم الزراعة على مدار العام ونحن في بلادنا ليس لدينا موسم للزراعة غير ثلاثة إلى أربعه شهور وباقي العام ثلوج لا نستطيع أن نزرع فيها ومع ذالك تبرعت لكم ألمانيا بمئات الأطنان من القمح وعندما وصلت الباخرة إلى ميناء الحديدة بقيت في الميناء ما يقارب شهر ولم يتم تنزيل الحمولة.. ووصلتنا شكوى.. وخاطبناكم ولم يتم الرد !!
فاضطرت السفارة أن تستأجر من ينزل الحمولة من ظهر السفينة وبعد ذالك ظل القمح مرمي على رصيف الميناء تسعه أشهر وتعرض للمطر والشمس والرطوبة وعندما علمت السفارة بذالك استأجرنا شاحنات ونقلناه إلى مستودعات المؤسسة الاقتصادية وظل لديهم ما يقارب سنه كاملة وبعد ذالك بدل آن يوزعوه على المحتاجين قاموا ببيعه ...!!
خرج السفير من مكتبي وأنا أتصبب عرقا في يوم بارد من شهر يناير!!!!؟؟؟ .

2. إسقاط سياسي :
كثيرة هي القصص والأمثال التي يمكننا إسقاطها على الواقع السياسي والمواقف المتغيرة إبان الأزمات والحروب في اليمن وبيع وشراء الذمم التي راج سوقها في هذا الزمن ألردي و تراجعت فيه المبادئ و القيم والأخلاق مقابل المصالح المادية لدى قلة من الخونة والعملاء والمأجورين ونضرب بعض الأمثلة على ذلك :
كلب صيد يطارد غزاله فالتفتت إليه الغزالة وقالت له :
إنك لن تستطيع أن تلحق بي ، قال لها الكلب لماذا ؟؟
ردت الغزالة : لأني أركض لنفسي وأنت تركض لسيدك !! قال لها والقصد والمعنى من ذلك ؟؟!!
قالت له : إن الذي يركض لنفسه غزال بينما الذي يركض لسيده كلب !!
فقال الكلب : والمعنى ؟؟ فقالت له : كن حرا ولا تكن عبدا !!
" ما أكثر الكلاب التي تركض لأسيادها في هذا الوقت "
اجعل غايتك رضا الله ولا تجعلها لمصالحك حتى يرضي غيرك....

3. الشوق للزمن الجميل :
لا يقتصر الشوق على المجتمع العربي بل يشمل كل المجتمعات البشرية بتفاوت ملحوظ في الكم والكيف
ورغم كل هذه الوقائع والمعطيات التي يصعب دحضها، فسوف يظل أكثرنا يهفو إلى ما مضى بطريقته الخاصّة وبلغته الخاصّة – ولا أُعفي كاتب هذا المقال من الإصابة بهذا الافتتان- لأسباب ذاتية وجمعية؛ فمعظمنا ما زال يتوق للعودة إلى أيام الطفولة والحي والبدايات الأولى، ومعظمنا ما زال مسكوناً بزمن الأبيض والأسود في الصور والأفلام القديمة والملابس والرسائل المعطّرة وأغاني فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وفيروز، ومعظمنا ما زال معتقلاً في روائح الخبز والطبخ على الحطب والقهوة المطحونة في المنزل، ولأن أبناءَنا وأحفادنا سوف يستحضرون زمننا المتوحش هذا ويختمون كلامهم عنه بالعبارة نفسها: "سقى الله تلك الأيّام !!
د.علوي عمر بن فريد