د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

إلى وطني في ذكرى قصف مطار عدن

أتأمل وجهك يا وطني كل ما أطل الفجر ومع شروق الشمس كل صباح تبدو لي بؤرة الظلم فيك أكبر من وجه الشمس مصبوغة بالدم ونزيف الجراح الراعفه التي تأبى أن تلتئم أو تتعافى بسبب العاقين من أبنائك الذين يقتاتون على جراحاتك ..ويموت بغدرهم شبابك ويذوون كأوراق الشجر تحت أقدام الظلم والقهر وأنت يا وطني تتهاوى إلى المجهول في كل حين .
يموت شبابك غدرا ويحصدهم الموت المفاجئ تارة بالصواريخ وأخرى بالألغام والرصاص حتى ضاقت المقابر ..وعندما بخلت عليهم يا وطني بالسكن لا تبخل عليهم بالكفن !!
لقد تربينا على ثراك فالوطن للجميع ، ولكن الأيادي الخفية لا زالت تعبث بك وكلما تعافت جراحاتك نكأتها من جديد !‍!
وطني : اشتقت إليك وافتقدنا الأمان حتى أصبحت أحلم أن أخرج عصرا لأشاهد أمواجك وهي تتكسر على شاطئ ساحل أبين ..أو أتأمل الصيادين وهم يسحبون شباكهم بما تحمل لهم من أسماك ..أتمنى أن أسير على شاطئ جولد مور عصرا وأشاهد الأطفال الصغار يلعبون فوق رمالك الذهبية .. أتمنى أن أسير آمنا في أزقة كريتر ظهرا ورائحة الشواء والزربيان تتسلل إلى أنفي ..أتمنى أن أتجول حتى المساء وأشرب الشاي العدني في قهوة زكو وأشم رائحة الفل والكادي التي تفوح روائحها من نوافذك العتيقة ..أتمنى أن أتناول طعام العشاء في صيره ،وأعود إلى بيتي في خور مكسر منتصف الليل في الباص آمنا مطمئنا .. ولكن هيهات فالأيدي الخفية لا زالت تعبث بأمنك في كل ساعة وحين !!.
وطني اشتقت إليك أن تكون بلا سجون ولا اغتيالات ولا وجود للجلادين والسفاحين على ثراك سواء داخل الوطن أو ممن يقتحمون أسوارك بصواريخهم وطائراتهم المسيرة ..
وطني يخنقنا القهر والألم حتى كادت أحلامنا تتلاشى ونحن معشر أبنائك نقف في صمت حدادا عليك وشبابك يذوي أمام أعيننا كل يوم والفاعل مجهول والكل يتألم على وطن تلاشت فيه أحلام الحيارى والباحثين عن دروب الكرامة والخلاص !!
هانحن نقف اليوم حدادا عليك يا وطني عندما خانك الخائنون من أبنائك حتى ضاقت منهم الأرض على أهلها فلم تعد الأمهات ولا الأرامل يحتملن صوت الرصاص ورائحة البارود الذي غيب الأحبة تحت التراب ولم يعد لدينا ما يكفكف دموعهن على فراق الأحبة الذين يتساقطون كل يوم ويذوون على ثراك .
وعندما يبكي الرجال الشرفاء فأعلم أن الثورة تمخضت فأنجبت فئرانا مهمتها أن تقضم شرف النضال والتضحيات المعمدة بالدم وتلطخها بسواد عمالتها وذيليتها
عندما يبكي الرجال الشرفاء ألما وقهرا فاعلم انك لم تعد آمنا على نفسك ولا على مالك ولا على عرضك.
الشرفاء من الرجال هم (الوطن ) الذي نحتمي بجدرانه ونموت دون أسواره ..
والشرفاء وحدهم همومهم تنفطر له الحجارة والصخور الصلبة وتنوء بحمله الجبال الراسيات!!
ولا يستطيع كائن من كان أن يعبر عن ذلك القهر والألم إلا شيئين اثنين هما : الضمير والقلم ..فالضمير يصرخ من الكبت والألم ..أما القلم يبكي وينزف حبرا أسودا وأحمرا ويسيل دما كالجراح النازفة يقطر ألما .
حين يبكي القلم تصبح كلماته أحاسيس مشاعر نازفة .. فتتوه المعاني في صفحاته وتتناثر أحرفه متطايرة أشلاء .. عندها تبدأ قصة من قصص الواقع المريرة مصحوبة بآهات تخلق جو العتمة الكئيب .. فحبره ألم الماضي الغائب وأوراقه مستقبل مظلم ليس له أي مخرج أو ملجأ. والأسئلة تتزاحم في رأسي إلى أين ..؟ وكيف..؟ ومتى..؟
تلك هي أفكار القلم حين يخط واقعاً لا يعلم ماذا حل به،؟؟!
حين يرى أحداثاً تعجز عن وصفها الصورة وعن تخيلها الذاكرة، فيصبح أمامه شريط ذكريات باهت مشوشاً ببعض السواد والغبار، مطموسة لديه بعض الأجزاء .. فإما دمار يعكر الصورة، وإما دماء تلطخها .. وتارة أخرى صرخات تؤجج القلوب والمشاعر ، وأهوال تشيب منها شعيرات الرأس!!
عندها في تلك اللحظة بالتحديد يعجز القلم وربما أحياناً يبكي .. وساعات يصيبه الذهول فيصمت ويأبى أن يكمل، فقد نزف كل ما لديه .. ويخر عاجزاً أمام ما يحدث .. فليس لديه الخيار إلا مواصلة الأحداث .. أو بترها .. فرفقاً به أيها العالم ورفقاً به أيتها الأحداث .. وختاما أهدي سلاما انحنت حروفه خجلا وتحية لكل شهيد قدم روحه ليحيا الوطن وتتوارى الشمس خجلا من تضحياتهم !!
وسلمت يا عدن يا مدينة الأحلام فهذا قدرك ولكنك حتما ستنهضين من وسط الركام .
د.علوي عمر بن فريد