د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
العقلية العربية الإقصائية !!
العقلية الإقصائية أو آفة إلغاء الآخر أو إقصاؤه،هي في مجملها عربية المنشأ والولادة وهي السبب في تدمير مجتمعاتنا العربية التعددية وخطرها أشد فتكا من الخطر الخارجي...و الثقافة الإقصائية هي نوع من التفكير المستبد الذي يعمل على تشويه صورة الآخر بقصد إقصائه وتهميشه.
وصاحب العقلية الإقصائية يحاول التقليل من شأن الأشخاص الذين لا تتطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره، والذين لديهم أراء ومواقف تختلف مع آراءه ومواقفه وهي ثقافة التهميش المناقضة لطبيعة الحياة التعددية وتصطدم مع الطبيعة النسبية للحقيقة، فالحقيقة المطلقة نوع من الكمال الذي لا يمكن، بل يستحيل، ان يوجد في هذا الكون الناقص بطبعه. وكل إنسان يرى انه على حق من وجهة نظره، وهذا ليس عيبا أو نقيصة طالما هو يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف معه واحترام وجهات نظرهم، فهذا الكون يتسع لهذا الاختلاف الذي هو من طبيعة البشر،
بالرغم من التطور الفكري والعلمي الذي عرفته البشرية، والثورة المعلوماتية الهائلة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وتطور وسائل الإعلام في مختلف المجالات، لا زالت ثقافة الإقصاء والتهميش التي تعني إبعاد الأخر وتجاهله، وعدم النظر إليه مهما كانت صحة مواقفه وصدق أقواله، سائدة في الكثير من المجتمعات الإنسانية،وتمارس من دون رادع ديني أو أخلاقي، وقد يصل الأمر إلى اتهام الآخر وحتى تخوينه بهدف إسقاطه. وهذه الثقافة يمارسها الكثير من الناس وبشتى الوسائل ومن مختلف الشرائح الاجتماعية في مختلف مجالات الحياة. وللأسف يعتبر المجتمع العربي من أكثر المجتمعات التي تحتضن ثقافة الإقصاء والتهميش بحق الآخر، وذلك بسبب تراجع الوعي وتدهور الأخلاق والثقافة .. والإنسان ألإقصائي هو شخص أحادي التفكير، ينظر إلى العالم من حوله بمنظور إما اسود أو ابيض، ويعتقد دائما انه على صواب والآخرين على خطأ، وشعاره من لم يكن معنا فهو ضدنا !!
وإذا رفض الآخرون الانصياع لتفكيره الضيق، يعمل بكل الوسائل المتاحة له –شرعية وغير شرعية - على محاولة إقصائهم، وذلك بالتشكيك في نواياهم والتقليل من شأنهم كبشر أحرار ومستقلون...و العقلية الإقصائية مرض اجتماعي يصيب بعض الأشخاص بالتطبع أو التربية والتوجيه العائلي، وذلك عبر تلقينهم في سن مبكرة معلومات سلبية حول من هم مختلفون عنهم دينيا أو مذهبيا أو ثقافيا أو عرقيا أو مناطقيا أو قبليا ومعالجة هذه الآفة الاجتماعية تتطلب منا أن نعلم أطفالنا منذ الصغر على حرية الاختيار، وإبداء الرأي الذي يعتقدون بصحته دون قهر أو خوف. كما يجب أن ندربهم على التعايش مع من حولهم، وحثهم على احترام آراء الآخرين حتى لو كانت مخالفة لآرائهم دون تسفيه أو تحقير، وبهذا نضمن تخريج أجيال تقدس الحرية الفردية وتحترم عقلها وتحتكم إليه في اتخاذ قراراتها!!
كما يجب علينا أن نعمل على إصلاح المؤسسات التعليمية، وتنقيح مناهج التعليم من كل ما يثير الفرقة بين مكونات المجتمع، وتهميش الآخر والنظر إليه بدونية. كما يجب البدء بتدريس "ثقافة قبول الاختلاف في الرأي والفكر والدين والمعتقد"، وجعلها مادة تدرس في كل مراحل التعليم بما فيها المرحلة الجامعية.
أخيرا، يجب العمل على تفعيل دور منظمات المجتمع المدني التربوية والثقافية والإعلامية لتأخذ دورها في توعية أبناء المجتمع،وان تجعل من مراكزها ومنتدياتها الثقافية منارات لنشر وترويج مفاهيم الحريات الشخصية، وثقافة تقبل الرأي الأخر واحترامه.
إن الإكراه (والقهر والإرغام)” بوسائله وأساليبه المختلفة (والشرقية منها هي الأسوأ) لا يؤسِّس إلاَّ لـ”مجتمع الكراهية”؛ فالكلُّ يتبادَل الكراهية مع الكُلِّ؛ وهذا مجتمع زائفٌ (قصديريٌّ) في وحدته، وتَضامِّه، وتَراصِّه، لا يعيش إلاَّ في الحرب الأهلية، وبها، أكانت مستترة أم ظاهرة؛ أقول هذا وأنا أَعْلَم أنَّ “الإكراه المُولِّد للكراهية” هو سياسة تَسْتَصْلِحها مصالح (وامتيازات) فئوية ضيِّقة؛ فلا تبحثوا عن عِلَّة هذه السياسة (أو النهج) في عقول ونفوس أربابها وأصحابها، وإنَّما في مصالحهم (وامتيازاتهم) التي هي وحدها في مقدورها أنْ تُقْنِعهم بشروق الشمس من الغرب !! والتجارب التي مرت بها ثورات التحرر الوطني في الوطن العربي خير شاهد على ما نقول فتبدأ الثورات العربية بشعارات رنانة تداعب خيالات وأحلام الجماهير العربية وتستهدف في خطابها جماهير الفقراء والكادحين خاصة والطبقات المتوسطة ، فتندفع كالسيل العارم لتأييدها وبعد أسابيع تتبخر أحلام المعدمين وتبدأ الثورات تأكل أبنائها وتتحول تلك الثورات إلى أدوات قمع بوليسية مع ما يصاحبها من عنف وانقلاب على الانقلاب ويموت الآلاف من أبناء الوطن وبدلا من قيام تلك الثورات بنشر الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء في أوطانها تزرع الحقد وتشعل روح الانتقام في أوساط أبناء الشعب الواحد !! وأخيرا نقول : إن ثقافة الإقصاء والتهميش ليست قدرا مكتوبا على امتنا العربية ولكنها ظاهرة اجتماعية قابلة للعلاج...ولكن السؤال هو متى تدرك تلك الحقائق النخب العربية من عسكريين ومدنيين وأحزاب سياسية ؟؟؟!!!
يقول "الفارابي: "لا دولة فاضلة دون مواطن فاضل. وصدق الشاعر حين قال: "لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها * ولكن أخلاق الرجال تضيق"!!
د. علوي عمر بن فريد