الضربة التي لا تقتلك تقوي جسدك، وتمنحك مناعة وصلابة، وتجعلك أكثر مناعة وشكيمة، من أجل المضي قدماً فيما تصبوا إليه، لاسيما إذا كان الطريق محفوفاً بالمخاطر والتحديات، كما هو الحال في هذه الظروف الصعبة والحساسة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم ككل.
لقد مرت منطقة الخليج على الخصوص بعدة أزمات، كانت منها تلك الأزمة التي انتهت في مدينة العلا شمال غرب المملكة العربية السعودية، بفضل الله، ثم بفضل حكمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذين تساموا وارتقوا فوق الجراح، وأدركوا أن الخلافات السياسية تُترك جانباً لمصلحة الدول والشعوب والمستقبل، لاسيما في هذه المرحلة الحرجة عالمياً، والتي لا تتحمل حرق الجسور واستمرار القطيعة الدائمة بلا حل، فالقطيعة من شأنها أن تضر بوحدة الجسد الخليجي وتمزقها، الجسد الواحد الذي يتطلب القوة والصلابة والتماسك والتلاحم.
وربما تعلمنا من هذه الأزمة دروساً كثيرة وعبراً متعددة، لنسمو فوق الجراح وفوق الخلاف من أجل مستقبل الشعوب الخليجية التي لا يزال طموحها أكثر مما تحقق إقليمياً، والتي عبّرت بطريقة عفوية وصادقة عن تفاؤلها بالتئام الصدع وإنهاء الخلاف، وعودة الأمور إلى مجاريها بشكل شفاف وأريحي، ودون تعقيدات، وذلك لكي تعود العجلة الخليجية للسير على سكة المسار الصحيح الذي انطلق عام 1980 في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليكمل مسيرته الظافرة نحو الأفضل، ولطي صفحة الخلافات، بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة الخليجية كلها، ومن أجل عدم السماح للأصوات المريضة النشاز التي استغلت واستمرأت هذا الخلاف الخليجي العابر، وحاولت بث سمومها من أجل تعميق الفرقة وتوسيع شقة الخلافات!.
علينا اليوم أن نفترض حسن النوايا وحسن الجوار وحسن التعامل أثناء الخلافات، وذلك لكي لا يستفيد الأعداء والخصوم من أي فجوات أو ثغرات إن وجدت، ونتمنى ألا توجد أبداً، وأن نركز على لملمة اللحمة ومداواة الجراح، وتحسين مستوى التعليم في بلداننا والارتقاء بمستوى الخدمات الطبي خاصة في هذه المرحلة، ومنح مواطني دول مجلس التعاون الخليجي حرية العمل والتنقل والاستثمار والحق في تلقي التعليم والرعاية الصحية في الدول الأعضاء، ورفد الاقتصادات وتعزيز نموها وتعميق تنوعها، لاسيما عقب انخفاض أسعار البترول، ثم جائحة كورونا التي عصفت بالعالم كله.
لا غنى عن بناء مزيد من الثقة والوحدة داخل الصف الخليجي وتنسيق التعاون ضد الأخطار الخارجية، وتعزيز الدور الإقليمي، بما يخدم العمل المشترك.. لتقوية البيت الخليجي ولتعزيز التضامن العربي. كما يجدر بنا التركيز على الجانب الأمني، وأن نتفاءل حيال التطورات الأخيرة المهمة، في خضم الأحداث الساخنة المضطربة من حولنا.
لا شك في أنه حتى الاتحاد الأوروبي توجد داخله تباينات وخلافات بين بعضه البعض، لكن الاتحاد الأوروبي باقي رغم أنسحاب أهم أقطابه وهي بريطانيا، فلم يتضرر أو يتزحزح. ونحن في منطقة الخليج العربي، جغرافيَا واحدةٌ، وتاريخ واحد ولغة واحدة وعادات وتقاليد هي نفسها، ونسيج اجتماعي منسجم متناغم مع بعضه بعضاً لكن تدخلات أجنبية لا تريد لهذا الكيان الخليجي العربي أن يكبر وينمو ويتطور ويزدهر!