علي القحيص يكتب:
الإمارات وإدارة القوة الناعمة
منذ نشأتها أدركت دولة الإمارات أهمية القوة الناعمة في تعزيز حضورها إقليمياً وعالمياً، حيث نلاحظ أن النهضة الحضارية الشاملة التي تشهدها الدولةُ، استندت إلى القيم الأخلاقية للمجتمع الإماراتي، الذي اتسم بتمسكه بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة، والأنسنة كطابع مميز لفكر المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
إن هذه القيم تعد من أهم الأسس التي تقوم عليها القوة الإماراتية الناعمة، والتي قفزت بالإمارات إلى مراتب متقدمة وأكسبتها سمعةً طيبة في مختلف المحافل الدولية.
ومن يتابع السياسة الإماراتية طوال السنوات الماضية يلاحظ بسهولة أنها تمثل امتداداً طبيعياً لنهج الشيخ زايد، صاحب الأيادي البيضاء والمواقف النبيلة التي أكسبت الإمارات سمعةً طيبةً ليس على مستوى المنطقة وحسب وإنما على مستوى العالم ككل.
وإيماناً منها بأهمية الثقافة في تشكيل القوة الناعمة، عملت دولة الإمارات على تعزيز دور الثقافة في المجتمع، كما جاء في القمة الثقافية التي عُقدت في أبوظبي في أكتوبر المنصرم، وشاركت فيها أكثر من 90 دولة، حيث أدركت دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي أنه لابد من عودة المشهد الثقافي مجدداً وبقوة، وشددت على ظهور معالم تراث إمارة أبوظبي وأنشطتها الثقافية، وابتكرت تجارب جديدة حول مستقبل قطاع الثقافة العالمي لبناء منظومة أكثر تنوعاً واستدامة وانتشاراً، للاستجابة للتغييرات الحديثة. وجاء ذلك تحت شعار "الثقافة أسلوب حياة"، بغية دعم بناء منظومة ثقافية أكثر تنوعاً واستدامة ومرونة، لاسيما بعد التطورات التي حملتها الأعوام الأخيرة وأزماتها الإقليمية المتلاحقة.
لقد أدركت الإماراتُ أهميةَ الشباب ودورهم البناء في تشكيل القوة الناعمة، فأطلقت خلال معرض "إكسبو 2020 دبي" منظومةَ تمكين الشباب الأولى من نوعها في العالم، وذلك ضمن خطة تعزز دور الإمارات كمرجع ونموذج على مستوى العالم في تمكين الشباب، بهدف نشر الوعي حول أهمية التركيز على الشباب للاستفادة منهم كقوة وكمحرك أساسي للتطور الحكومي، حيث تسعى الإمارات إلى تعزيز دور الشباب وتثمين إسهاماتهم لمواصلة قيادة التطوير. ويعد "دليل تمكين الشباب" إطاراً عملياً قوياً وشاملاً لتمكين الشباب ولقياس نجاح أعمالهم في الجهات الحكومية، كما تُعدّ هذه المبادرة الأولى من نوعها على مستوى العالم لمأسسة تمكين الشباب، ناهيك عن البرامج الثقافية المتنوعة التي تسهم في تعزيز صورة الإمارات وإبراز تراثها الثقافي والتاريخي المميز، حيث تلعب الفنون والآداب الدورَ الكبير في هذا المجال.
كما تشمل فعالياتُ القوة الناعمة للإمارات الأنشطةَ الديبلوماسيةَ الدؤوبةَ والجادةَ التي يقوم بها السلك الديبلوماسي الإماراتي النشط في أنحاء العالم، ناهيك عن المواقف السياسية المتزنة، التي تنهجها دولة الإمارات حيال القضايا العربية والدولية، من خلال الانفتاح على العالَم، ونبذ العنف والتطرف والدعوة الجادة إلى التسامح والتعايش السلمي بين الشعوب.
وكل هذه الركائز التي بُنيت وتُبنى عليها القوة الناعمة لدولة الإمارات مستمدة من الوعي السياسي الوطني، الذي تتميز به القيادة الإماراتية، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وهو صاحب المواقف الشجاعة والقرارات الجريئة، بالإضافة إلى ما يتمتع به من كاريزما قيادية ظهرت في الكثير من المناسبات، لا سيما إبان جائحة كورونا التي ضربت العالَم في عام 2020، حيث اتضح المعدنُ النفيس لهذا القائد الفذ، الذي وقف بكل شجاعة وتحملَ مسؤولياتِه بكل كفاءة واقتدار.
وهنا نتذكر تصريحه الشهير في بداية الأزمة حين قال: "نحن في سباق مع الزمن، ورغم التحديات والصعوبات في مواجهة هذا الوباء فإن هذا الوقت الصعب سيمضي بعون الله، ونحن في الإمارات علينا مسؤولية حماية وطننا وأهلنا والمقيمين"، مؤكداً أن الغذاء والدواء في دولة الإمارات خط أحمر.
كما نتذكر المساعدات السخية التي قدمتها الإمارات إلى الكثير من الدول إبان الجائحة، الأمر الذي أكسبها احترامَ العالَم كله بلا استثناء.
ويمكن القول إن القيم الإنسانية والأخلاقية كانت وستبقى العنصر الأهم والأبرز في القوة الإماراتية الناعمة، الداعية إلى التسامح والسلام والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف.