منير شفيق يكتب لـ(اليوم الثامن):

فلسطين.. الاحتلال غير شرعي والاستيطان جريمة حرب

أصدر الرئيس محمود عباس في 14 من الشهر الجاري مراسيم تنظيم انتخابات للمجلس التشريعي نهاية مايو/أيار، والرئاسة في نهاية يوليو/تموز، على أن يتم استكمال تشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية أغسطس/آب. وفي هذا السياق، فقد دعا سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني إلى عقد جلسة للمجلس الوطني في رام الله.

وصرّح حنا ناصر رئيس "لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية" بأن "جميع الفصائل اتفقت على إجراء الانتخابات، وستعقد اجتماعاً في القاهرة لاحقاً الشهر الجاري، وذلك لبحث بعض التفاصيل "الضرورية المتعلقة بالانتخابات". وأكد أن "الانتخابات ستجري على قاعدة النسبية والقائمة". طبعاً لن تكون الانتخابات للكل الفلسطيني بما يشمل الفلسطينيين في الشتات. ولقاء القاهرة المزمع عقده قد يُظهِر العديد من الخلافات.

وقد سبق وأعلن جبريل الرجوب أن الانتخابات ستكون توافقية (محاصصة) لا انتخابات مغالبة. ومعنى أن تكون "توافقية" أي ضمان غلبة فتح وأنصارها الخلّص، وإلاّ فلن ترى النور أبداً. كما رأينا في تجربة انتخابات 2006 التي تمت بالمغالبة في مصلحة حماس ولم يُسلَّم لها، وانتهت بالانقسام. فكل انتخابات فلسطينية بالمغالبة تذهب إلى انقسام، بالضرورة.

وبالمناسبة رفضت الدول الغربية والعربية حينها الاعتراف بنتيجة فوز حماس بالانتخابات، أو إدانة ما حدث من وضع العصي في دواليبها. طبعاً هذا فقط للتذكير. ولينتبه كل من يتصور أن بإمكان انتخابات نزيهة أن تفرز قيادة يُعترف بها، تكون معارضة لاتفاق أوسلو، ولو اتبعت سياسة تدوير الزوايا حتى حافة الهاوية.

حول المجلس التشريعي

بالتأكيد هناك من يظنّ أن الانتخابات ستُرسِي ديمقراطية فلسطينية على رأسها مجلس تشريعي، أي برلمان. ولكن هؤلاء ينسون تجربة المجلس التشريعي لعام 2006 مع الرئيس الفلسطيني نفسه محمود عباس، فيحسبون أن انتخاب مجلس تشريعي لعام 2021 لن يكون مصيره كمصير الذي سبقه. فالمجلس التشريعي الذي لا يأتي على قياس محمود عباس، سيصدر قرار من "المحكمة العليا" بحله غير مأسوف عليه، مع وعدٍ بانتخابات تشريعية قادمة.

يا لتجربة المجلس التشريعي القادم! إذا جرت انتخابات، فكم ستكون مريرة وقاسية! وهذا حال من يجرّب المجرَّب.

حول انتخابات الرئاسة

من مزايا الرئيس محمود عباس أنه واضح في سياسته القادمة، وواضح في ممارسته للرئاسة مع كل معارض في فتح، ولو كان محبّاً له حتى الموت. وتعامله الرئاسي، بعد نيل الشرعية الجديدة، مع الفصائل واضح أيضاً، ولا يحتاج إلى تذكير أو نبش في الماضي، لأن تجربة لقاء الأمناء العامّين في بيروت ورام الله، وما حدث بعدها، ما زال حيّاً كما لو حدث البارحة.

لذلك ليس من حقّ أحد أن لا "يحزر"، أي يتنبأ بما يخبئه الرئيس محمود عباس غداً، إذا ما جدّد شرعيته. ولم يعد يحمل لقب "المنتهية رئاسته وشرعيته" على مدى سنين عديدة.

المجلس الوطني

لاحظ عزيزي القارئ ما ورد في مرسوم الدعوة إلى الانتخابات: "استكمال تشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية". ولاحظ بعده دعوة سليم الزعنون إلى عقد دورة للمجلس الوطني في رام الله، لاحقاً. وتَذكَّر أن الكلام كان يدور حول "انتخابات مجلس وطني" لا مجرد استكمال.

وقد صرح حنا ناصر بأن "لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية لا تملك صلاحيات تمتد إلى المجلس الوطني" (طبعاً لأن هذا من شأن رئيسه وشأن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والنظام الداخلي للمنظمة). وهذا ما أشار إليه مرسوم للبند 5 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وكان حنا ناصر قد ألمح إلى نقطتين: الأولى أن المجالس الوطنية لمنظمة التحرير لم تتشكل بالانتخابات. والنقطة الثانية أن ليس هنالك قائمة أو سجل أو "داتا" للناخبين خارج فلسطين.

وبالمناسبة، كان على مجموعة من المتحمسين للانتخابات العامة أن يُحضروا تلك القائمة لفلسطينيي الخارج، ليحرجوا محمود عباس وحنا ناصر، ولكن "التقصير" لم يكن بسبب الغفلة، بل العجز، وشبه استحالة "الوصول المحترم" حتى إلى جزء من تلك القائمة.

يعني في أحسن الأحوال، انتظروا مجلساً وطنياً، إن جاءه الدور، معيَّناً مختاراً من قِبَل لجنة من الفصائل ليتكرر موقف فتح التاريخي منذ 1969 حتى اليوم.

طبعاً كل هذه المأساة (التراجيديا) سببها "التغميس" خارج الصحن، أو في الأدق تحديد الأولوية: أهي المصالحة، أم إعادة ترتيب البيت الفلسطيني؟ وهذا يحتاج إلى توافق وانتخابات، أم مواجهة الاحتلال والاستيطان؟ وهذا يحتاج بدوره إلى تشكيل وحدة وطنية وتبني استراتيجية مقاومة شعبية وانتفاضة؟

هذا وحسم الخيار بين سياستين: سياسة (استراتيجية) التسوية والمفاوضات وحلّ الدولتين، أم سياسة (استراتيجية) المقاومة والانتفاضة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط؟

لقد جرت سياسة التسوية والمفاوضات والتنسيق الأمني لأجل الوصول إلى حلّ الدولتين، وفشلت فشلاً متواصلاً على مدى تجربة ربع قرن بعد أوسلو، فيما السياسة الأخرى طريقها واضح، وإحراز نصر فيها راجح.

إنها وحدة وطنية تجعل أولويتها إطلاق مقاومة شعبية، وانتفاضية شاملة تحت هدفين بسيطين قابلين للتحقيق، ولا تستطيع دولة حتى معادية أن تحاجّ ضدهما: إنهما دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات من القدس والضفة الغربية، بلا قيد أو شرط.

فالاحتلال غير شرعي والاستيطان جريمة حرب، وليس لمرتكبهما أن يُكافأ ويطلب مقابلاً، فعليه أن ينسحب باعتباره مجرماً منتهكاً للقانون الدولي.

فالمطلوب أن نجعل بقاء الاحتلال والاستيطان مكلفين أكثر من الانسحاب والتراجع، فالثمن السياسي والمادي الذي سيُدفع في حالة انتقال الشعب إلى الانتفاضة الشاملة، سيكون باهظاً، ليس على الكيان الصهيوني فحسب، بل أيضاً على أمريكا وأوروبا ودول الهرولة، أمام غضب الجماهير العربية والإسلامية والرأي العامّ العالمي، وذلك حين تتكرر كما في الانتفاضتين السابقتين مشاهد البطولة والتضحيات الشعبية الفلسطينية، مقابل جرائم الاحتلال وانكشافه على حقيقته المتوحشة.

قضية الانتفاضة قضية عادلة، واستراتيجيتها منتصرة، بإذن الله، ولا ينقص التعاطف معها، عربياً وإسلامياً وعالمياً، إلّا نزول الأطفال والشباب والشابات والنساء والشيوخ، إلى الشوارع في مواجهة شجاعة مصممة طويلة نفس ضد قوات الاحتلال والمستوطنين.

وبهذا، وبعد هذا، ندخل في مرحلة الإعداد لتحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر، أو ننقسم ونختلف عليه.