فاروق يوسف يكتب:
أدعو السيد راشد الغنوشي إلى الاستقالة
لو كنتُ مكان السيد راشد الغنوشي لقدمت استقالتي من رئاسة مجلس النواب ولتقاعدت من الحياة السياسية لأستريح وأريح. فليس في إمكان أحد أن يعفي السيد الغنوشي من جزء من المسؤولية عما حاق بتونس البلد الذي ناضل من أجله سنوات طويلة من انهيار اقتصادي، فتح أبواب الفقر أمام فئات كانت قاعدة الطبقة الوسطى.
فالغنوشي هو زعيم حركة النهضة الإسلامية، أكبر حزب تونسي والأكثر تنظيما وجاهزية اضافة إلى أنه يمتلك تاريخا طويلا وهو منذ عشر سنوات يتصدر الحياة السياسية حاكما وطرفا اساسيا في صنع الحكومات وفرض المسار القانوني في السلطة التشريعية.
ومن خلال الدور المركزي الذي لعبه الغنوشي في التأثير على عمل الحكومات يمكنني القول إنه أهدر أوقاتا عزيزة، كان في الإمكان أن يتم انعاش الاقتصاد التونسي وتطويره فيها من خلال رسم سياسات اقتصادية صحيحة تنسجم مع الثروات البشرية والمادية الموجودة والانتقال بتونس إلى مرحلة الاستقرار البناء على جميع المستويات.
لا تحتاج تونس إلى صراعات سياسية بين الأحزاب في الوقت الذي ينوء شعبها تحت وطأة مشكلات اقتصادية كانت انعكاسا لإهمال النظام السابق. غير أن الفوضى التي ضربت تونس بسبب تلك الصراعات هي أكثر ضررا بالاقتصاد والحالة المعيشية من ذلك الإهمال. على الأقل كانت هناك دولة وكانت هناك قوانين واضحة.
لقد أثبتت التجربة أن السيد الغنوشي بالرغم من خبرته الحزبية وتجربته الطويلة في زعامة حركة سياسية لم يكن مؤهلا لزعامة بلد وإن كانت عينه لا تزال على كرسي الرئاسة في قصر قرطاج.
عبر السنوات العشر الماضية كان الغنوشي يقود تونس، اما بشكل مباشر أو يشكل غير مباشر. في الحالين كانت الحياة السياسية منفصلة عن طموحات وآمال الشعب وكانت الحكومة بغض النظر عن رئيسها تزداد انفصالا عن وظيفتها يوما بعد آخر. ابتعدت الحياة السياسية والحكومة عن معناهما الحقيقي.
لقد رسمت حركة النهضة باعتبارها الكتلة الأكبر في مجلس النواب وهي الكتلة المؤثرة والقادرة على التحكم باتجاهات العمل الحكومي خريطة سياسية لا يمكن من خلالها الالتفات إلى الشعب وأوضاعه المعيشية وكانت مكانة الدولة والشعب معا في هامش تلك الخريطة.
لم يشرع مجلس النواب أي قانون كان له أثر خلاق في بعث الروح في الحياة الاقتصادية. ربما كانت هناك مشاريع لإنقاذ الاقتصاد التونسي تم تعطيلها وعدم الالتفات إليها بسبب النزاعات السياسية التي كان يترأسها راشد الغنوشي في محاولة منه لإنقاذ الشعب من ضلاله باعتباره زعيما لحركة دينية يقول التونسيون إنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين.
أخطأ السيد راشد الغنوشي في فهم وظيفته التي يعتقد الكثيرون أنه لا يصلح لها. وقد كان الغنوشي نفسه قد صرح قبل عودته من لندن بعد أن نجح التونسيون في إسقاط نظام بن علي إنه لا يرغب في أن يكون له منصب رسمي ويحلم في أن يعيش ما تبقى من حياته مواطنا تونسيا كريما.
للأسف حنث الغنوشي بوعده وهو يتنعم وحركته بامتيازات المناصب الحكومية منذ عشر سنوات فيما الجزء الأكبر من الشعب التونسي في طريقه إلى أن يفقد كرامته بسبب الفقر والإذلال.
هل الغنوشي لا يفهم ما هي وظيفة رجل السياسة حين حول مجلس النواب التونسي إلى ما يشبه صالات التهريج المفتوحة على الوقائع الصادمة بحيث يعتدي النواب بعضهم على البعض الآخر؟
يمكنه أن يقود حزبا في المنفى ولكنه ليس مؤهلا لقيادة بلد وبالأخص إذا كان منصبه زعيما لحركة النهضة يتيح له البقاء إلى الأبد. ولو كنت قياديا في حركة النهضة لطالبت بتنحي الغنوشي عن الزعامة فهو يقود الحركة إلى حتفها. ما أفكر فيه ليس غائبا عن أذهان الكثيرين غير أن الغنوشي كان ماهرا في حماية نفسه.
ولكن من الظلم أن يفكر السيد الغنوشي بنفسه ويترك تونس لمصير مجهول. لقد انتصر على حركته فهل قرر أن ينتصر على تونس بعد كل هذا الخراب الذي نتج عن طريقته في إدارة الحياة السياسية في بلد يجرب حظه مع الديمقراطية لأول مرة بالرغم من أنه كان متقدما في حياته المدنية على كل البلدان العربية؟
أعتقد أن السيد راشد الغنوشي لو استقال فإن التاريخ سيذكر فعلته باعتبارها تضحية من أجل تونس. ستفتح تلك الاستقالة الطريق أمام الكثير من السياسيين الذين يجب أن يختفوا لأنهم يمثلون عثرات في طريق الشعب التونسي.