د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
عزة النفس عند العرب
إن العربي الحر ترتقي به عزة نفسه عن أن يرضى بالقليل ويقنع به، إن روحه توّاقة دائماً إلى العلا، ولأن يحيا أياماً معدودة، وإن خالطتها المرارة، في عز وكرامة، أفضل له من أن يعيش سنوات طويلة في ذل ومهانة !!!
والعربي سمحٌ في طباعه ومعاملته، يتعامل مع الناس بفطرة سوية، ما لم يتعرض لظلم أو إهانة تقلل من شأنه، فإذا ما تعرض لظلم أو إهانة، تغير حاله وتبدلت طباعه؛ اعتداداً بنفسه وثأراً لكرامته.
ولا تُذكر الأنفة، أو الإباء، عند العرب قبل الإسلام، إلّا ويُذكر معها عمرو بن كلثوم (- 584م أي حوالي 39 ق. الهجرة)، سيد قبيلة تغلب، فقد كان من أعزِّ الناس نفساً، فلم يكن ليتحمل أن تُهان أمه، ولو كانت هذه الإهانة من أم ملك، لا يقل عنه ملكاً وعزاً، بل قد يبزّه في الملك والعزة، وفي رحاب ملكه وداخل قصره، وهو ملك الحيرة عمرو بن هند (554م-569م). فتذكر الروايات أن أم عمرو بن هند تفاخرت يوماً في حضور جليسات لها، بأنها أشرف نساء العرب، فهي بنت ملوك الحيرة، وزوجة ملك وأم ملك، فقالت إحدى جليساتها، والتي لم يخذلها لسانها في مثل هذه المواقف فلم تمرر مقولتها دون أن تعقِّب: «ليلى بنت المهلهل أشرف منك»، وأخذت تعدد مواطن الشرف والعزة للسيدة ليلى بنت المهلهل، مردفةً: «فعمها الملك كليب، وأبوها الزير سالم المهلهل سادة العرب، وزوجها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وولدها عمرو بن كلثوم سيد قومه». فاعتمل كيد النساء في رأس أم عمرو بن هند، فأجابتها: « لأجعلنها خادمةً لي»، وحاكت خدعة لإيقاع، تلك التي تبزُّها عزاً وشرفاً، في المذلة والإهانة. فطلبت من ابنها عمرو بن هند أن يدعو عمرو بن كلثوم وأمه لزيارتهم فكان ذلك. وأثناء الضيافة حاولت أم الملك عمرو بن هند أن تنفذ حيلتها، فأشارت إلى جفنة على الطاولة، وقالت: «يا ليلي.. ناوليني تلك الجفنة»، فأدركت ليلى بنت المهلهل الحيلة بحسها الأنثوي الفطري، وربما أنفة منها وترفعاً وإباءً، وأجابتها: «لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها»!!!
فلمّا ألحّت عليها، صرخت: «وا ذلاه»، فسمعها ابنها عمرو بن كلثوم، وكان جالساً مع عمرو بن هند في مجلس مجاور، فقام إلى سيف معلق وقتله في دار ملكه، وانتهب رحله وخزائنه وانصرف بالتغالبة إلى خارج الحيرة، ولم يُصب أحدٌ من أصحابه. هكذا كانت ردة فعل عمرو بن كلثوم، دون تردد، ودون تروٍ، ودون سؤالٍ أو تحرٍ، فما هي إلا أن قالت: «وا ذلاه»، حتى نفر الدم في عروقه، وأدرك أن مهانةً أوشكت أن تطاله، وعاراً أوشك أن يصيب أقرب الأقربين إليه، وذلاً سوف يدنس سيرته وسيرة أهله في حياته وبعد موته، فما وجد غير إراقة الدماء سبيلاً لحفظ شرفه الرفيع من الأذى، وحفظ ماء وجهه وسيرته بين الناس. ولم يكتف عمرو بن هند بذلك، بل سجل ذلك شعراً يردده التاريخ حتى يومنا هذا، في معلقته التي لا يُعرف بغيرها كشاعر، متفاخراً بما صنع، ومعتزاً بكرامته وشرفه، وبإبائه، ومنها قوله:
بِأَيِّ مَشِيْئَةٍ عَمْرَو بْنَ هِنْدٍ
تُطِيْعُ بِنَا الوُشَاةَ وَتَزْدَرِيْنَا
وَأَيَّامٍ لَنَا غُرٍّ طِوَالٍ
عَصَيْنَا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَا
إِذَا مَا المَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً
أَبَيْنَا أَنْ نُقِرَّ الذُّلَّ فِيْنَا
كان العربي الأبي منذ الأزل يعشق الحرية، تلك الجوهرة الروحية التي يحيا بها ولها، ويموت من أجلها، إنها فطرة الله التي فطره عليها ولا يرضى لها بديلا، فلا يرضى قيداً ولا يقبل سلطاناً عليه، ويأبى أن يعيش ذليلاً مهانا.
وجاء الإسلام، فهذّب هذا الخلق الكريم، وجعله من الخصال التي يقتضيها الإيمان الصادق، فكانت العزة في الإسلام تتجاوز عزة الفرد الذاتية أو عزة قبيلته وقومه إلى العزة الأرحب التي حددها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (سورة المنافقون: آية 8.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فالكرامة العربية تجري في دم الإنسان العربي تتوارثها الأجيال عند الحاكم والمحكوم ..وتذكرت حادثة طريفة عرفت ب " قرش الكرامة" جرت أحداثها ﺃﻳﺎﻡ ﺛﻮﺭﺓ ﻣﺎﻳﻮ وﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻳﻤﺮ ﺑﻀﺎﺋﻘﺔ اقتصادية ﻓﻘﺎﻡ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﺟﻌﻔﺮ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﺑﺄﺧﺬ ﻗﺮﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﻣﻌﻤﺮ ﺍﻟﻘﺬﺍﻓﻲ ﻭﺑﻌﺪ ﺷﻬﻮﺭ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻘﺬﺍﻓﻲ ﻣﻦ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﺃﻥ ﺗﻤﺮ ﻃﺎﺋﺮﺍﺕ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻠﻴﺒﻲ ﻓﻮﻕ ﺍﺭﺽ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻟﻤﺴﺎﻧﺪﺓ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻴﻮﻏﻨﺪﻱ ﺿﺪ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺘﻨﺰﺍﻧﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺧﻼﻑ ﺣﺪﻭﺩﻱ ﺑﻴﻨﻬما ﻓﺮﻓﺾ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﺍﻟﻘﺬﺍﻓﻲ ﻷﻥ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻫﻮ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﻓﻐﻀﺐ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﺍﻟﻘﺬﺍﻓﻲ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﺍﺳﺘﺮﺩﺍﺩ ﻣﺒﻠﻎ ﺍﻟﻘﺮﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﻟﻢ ﻳﺘﺮﺩﺩ ﻧﻤﻴﺮﻱ ﻭﻇﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻠﻔﺎﺯ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻓﺮﺩ ﻣﻦ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺩﻓﻊ ﻗﺮﺵ ﻭﺍﺣﺪ ﻭﻓﻌﻼ ﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻟﻚ استنفار ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﻭﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﺩﻓﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺮﺵ ﻭﺗﻢ ﺗﺴﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﻟﻠﺴﻴﺪ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﻭﺣﻔﻈﺖ ﻛﺮﺍﻣﺔ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻭﺳﻤﻴﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﻔﺮﺓ ﺏ " ﻗﺮﺵ ﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ "
ﻛﺎﻥ ﺑﻮﺳﻊ ﺍﻟﻨﻤﻴﺮﻱ أن ﻳﺰﻳﺪ ﺍﻟﻀﺮﺍﺋﺐ ﻭﺍﻷﺳﻌﺎﺭ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻳﺎﺕ ﻟﻜﻨﻪ أختار أن ﻳﺼﺎﺭﺡ ﺷﻌﺒﻪ ﺑﻤﺎ ﺗﻤﺮ ﺑﻪ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻓﺎﻟﺘﻒ ﺣﻮﻟﻪ ﺍﻟﺸﻌﺐ لأنه لا يسرق وانتصر لكرامة السودان.
عندما يكون قلب القائد على شعبه ووطنه فإن الكرامة تظل محفوظة في أحلك الظروف ، فأين الكرامة الضائعة التي اختفت في اليمن اليوم؟!!
د. علوي عمر بن فريد