د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الحرب في اليمن إلى أين .. تنبؤات أم خيارات ؟!!
نشرت صحيفة اليوم الثامن يوم أمس الخبر التالي :
أكد السياسي الأردني وحيد الطوالبة أن الحرب في اليمن ستنتهي قريباً وستعود الأمور إلى ما قبل العام 90م,مشيراً إلى أن الحوثيين سيبسطون سيطرتهم على مأرب وبعدها سيتجسد حل الدولتين. وقال الطوالبة في تغريدة على حائطه بموقع "تويتر" : الحوثيون يستكملون السيطرة على الشمال بإسقاط مأرب بقبضتهم خلال أيام. وأضاف : وبهذا يتجسد حل الدولتين تحضيرا للاعتراف بهم كدولة في الشمال والاعتراف بالجنوب كدولة مستقلة. واختتم الطوالبة تغريدته قائلاً : الحرب ستتوقف واليمن يعود لما قبل عام 1990 !!
ومن خلال قراءة الأحداث المتسارعه في اليمن نرى أن ما ذكر ليس الخيار الوحيد بل هناك خيارات أخرى ولعل أهمها الآتي :
أولا : سيناريو الانفصال:
يقوم هذا الافتراض على انفصال الجنوب والسيطرة عليه سيكون بمثابة أهم الأهداف التي تحققت من هذه الحرب، لأن الجنوب إلى جانب أنه سيشكِّل حائط صد يمنع الحوثي من التمدد في الجنوب السني بعيدًا عن سيطرة الحوثيين، فإنه في الوقت نفسه سيشكل منطقة عازلة تمنع الحوثيين من إيذاء السعودية ودول الخليج ومحاربتها. ويعتقد الجنوبيون أن موقع الجنوب ومساحته التي تمثل ثلثي مساحة اليمن وشواطئه، التي تطل على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي هي أكثر أهمية استراتيجيًّا من بقية اليمن. كما أن اشتعال الحرب، وفق هذا الخيار، لن يكون بين الحوثيين وخصومهم فقط، فهناك احتمال قوى بأن تشتعل الحرب في مناطق أخرى؛ ومن المتوقع، أن تمتد الحرب إلى تعز بين السلفيين والمؤتمريين والناصريين وغيرهم، مع حزب الإصلاح للسيطرة على هذه المحافظة.
وفى الجنوب، قد يحدث نزاع دموي عنيف بخلفيات جهوية وحزبية، فالمجلس الانتقالي سيحاول أن يسيطر على بقية مناطق الجنوب وهو ما يجعله يصطدم بخصومه في أبين وشبوة وربما حضرموت والمهرة في حال استدعاء التاريخ وتصدعات يناير عام 1986م كذلك تصفية حسابه مع خصومه السياسيين كحزب الإصلاح. كما أن تنظيم القاعدة وداعش سيبرزان في بعض المناطق في مواجهة الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي ، بشكل منفرد أو بالتحالف مع جماعات أخرى كحزب الإصلاح أو السلفيين أو غيرهم، كما أن من المتوقع أن تدعم بعض الدول بشكل مباشر أو غير مباشر هذه التنظيمات لمحاربة الحوثيين أو أطراف أخرى. وستكون الحرب أكثر دموية و أقل التزامًا بقوانين الحرب، وبالأعراف القبلية والاجتماعية؛ أو تخشى العقوبة واللوم والمساءلة، وخاصة الجماعات الإرهابية وهي أكثر الأطراف عنفا الأمر الذي يدخل اليمن دائرة عنف بشعة على غرار ما حدث في سوريا والعراق والجزائر.و ستتخذ الحرب طابعًا مذهبيًّا وجهويًّا وقبليًّا وسُلاليًّا، وهو ما سيؤدى إلى عمليات تطهير سكاني كبير.
ثانيآ : اليمن الاتحادي
منذ سقوط نظام صالح ارتفعت الأصوات المنادية بتغيير شكل الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة اتحادية. وكانت المبررات أنها ستُضعف الدعوات المطالبة بانفصال الجنوب، وستحل مشكلة المركزية السياسية والمالية والإدارية، والتي يرى أنصار الفيدرالية أنها تمثل جوهر المشكلة اليمنية.
وقد منح هذا الزخمَ وصولُ رئيس جنوبي للسلطة، والذي جعله منحازًا إلى الفكرة كونها ستمنح الجنوبيين قدرًا أكبر من السلطة وسيطرة أكبر على مناطقهم ومواردها، وتخلق توازنًا يحد من التفوق السكاني للشماليين مقابل الجنوبيين. وبالإضافة إلى ذلك؛ وجدت فكرة الدولة الاتحادية صدى لدى عدد كبير من النخب السياسية الشمالية التي لا تنتمي لمنطقة الهضبة العليا، والتي يعتقدون أن سكانها يهيمنون على السلطة منذ عهد الأئمة وحتى نظام صالح والأنظمة التي سبقته، وتحديدًا منذ أن تأسست الدولة في شمال اليمن عقب خروج العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى. ..حيث سيطر الزيود من سكان الهضبة على السلطة، وخاصة على مؤسسات (الجيش والأمن)، وأصبحوا عمليًّا هم الطبقة الحاكمة خلال الحكم الإمامي والجمهوري في شمال اليمن قبل الوحدة، وفى دولة الوحدة بعد حرب ١٩٩٤. ووفقًا لذلك، تم العمل من قبلهم على تبنى الفدرالية في مؤتمر الحوار الوطني، وتم في وقت لاحق تحديد عدد أقاليم الدولة الاتحادية المخطط لها بـستة أقاليم، وتم تأكيده في مشروع الدستور الدائم لليمن، والذي تم استكمال كتابته قبل أشهر من الحرب. ومنذ انتهاء مؤتمر الحوار دفع المبعوث الدولي وسفراء الدول الكبرى مجلس الأمن لتأييد الدولة الاتحادية، وبعد الحرب تم تبنى صيغة محددة من قبل «دول التحالف» والدول الداعمة لها تعتبر مخرجات مؤتمر الحوار، والتي تنص على الدولة الاتحادية مرجعية لأي حوار وتسوية تنبثق عنه.
وسيناريو الدولة الاتحادية يعنى استكمال المرحلة الانتقالية من نقطة توقفها في ٢٠١٥م قبل الحرب، عبر إجراء الاستفتاء على الدستور، ويعقب ذلك إجراء انتخابات برلمانية ومحلية، وتقسيم الدولة إلى ٦ أقاليم، ثم إجراء انتخابات رئاسية تنتهي حينها المرحلة الانتقالية وتبدأ المرحلة الدائمة. ويتبنى الرئيس هادى مشروع الدولة الاتحادية بكل قوة لأنه يمنحه المبرر للاستمرار في السلطة، حتى انتهاء «الفترة الانتقالية» وفق المبادرة الخليجية، ويقطع الطريق أمام الأفكار الأخرى المطروحة للحل من قبيل استبدال رئيس جديد به أو تفويضه السلطة لنائب رئيس توافقي وإجراء حوار جديد في المرحلة الانتقالية الثانية. وإلى جانب الرئيس هادي، أصبح حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة المنضوية في حكومة هادى متمسكة بخيار الدولة الاتحادية ورافضة لأي حلول خارج هذا الحل.
من جهة أخرى، يرفض الحوثيون بشكل مباشر أو غير مباشر صيغة الدولة الاتحادية وتحديدًا فكرة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، ويعتبرونها جزءًا من مؤامرة تمزيق وتقسيم اليمن، وهو الموقف الذي كان يرفضه صالح كما يرفض المجلس الانتقالي- فكرة الدولة الاتحادية ويرى فيها مؤامرة وعملية التفافية لحرمان الجنوبيين مما يعتبرونه حقهم في تقرير مصيرهم؛ حيث يرون أن مشروع الدولة الاتحادية سيؤبد دولة الوحدة ويلغى فكرة الانفصال بشكل نهائي.
وتنفيذ الدولة الاتحادية يتطلب انتصارًا شاملًا ونهائيًّا للرئيس هادى والتحالف الحاكم المكوَّن بشكل رئيس من حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة، على الحوثيين وعلى المجلس الانتقالي وعلى القوى التابعة لأنصار الرئيس السابق، على صالح، والتي تُعرف بحراس الجمهورية بقيادة طارق صالح.
ولكن يظل تحقق هذا السيناريو في حكم المستحيل ، أهمها انعدام الضغوط الدولية وصعوبة السيطرة العسكرية على مدينة مأرب، وتنامي الصعوبات التي تواجهها طهران داخليًّا بسبب وباء كورونا، والتي على إثرها يتيقن الحوثيون من أنهم لن يحصلوا على أي دعم إيراني .
في الختام يظل هذا الخيار مطروحا ولكن يلزمه العديد من المتغيرات الدولية وتضارب المصالح بين الكبار قد لا ترضي نتائجها الجميع مما سيطيل أمد الصراع اليمنى وسيظل يتأرجح بين التصعيد والتسوية الذي قد يستمر عدة سنوات أخرى !ّ!
د.علوي عمر بن فريد