فاروق يوسف يكتب:
راشد الغنوشي سيكون رحيلك حلا لكثير من المشكلات
أن يعتزل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس مجلس النواب العمل السياسي والحزبي فإن ذلك قد لا يمثل حلا لواحدة من أسوأ أزمات الحكم في تونس وأكثرها تهديدا لوحدة الشعب بعد أن انقسم مضطرا بين معسكرين مفتعلين ولكنه قد يكون جزءا من الحل الناقص.
النصيحة التي تقدم بها عبدالفتاح مورو الذي كان نائبا للغنوشي في رئاسته لحركة النهضة، وهو الذي تم ترشيحه لانتخابات الرئاسة عام 2019 غير أنه آثر أن يعتزل العمل السياسي ويستقيل من الحركة، ليست جديدة. لقد قيلت من قبل داخل صفوف الحركة وخارجها.
لم تعد الحياة السياسية في تونس قادرة على تحمل الغنوشي لا بسبب كبر سنه بل بسبب تعلقه بأفكار لم تعد تناسب تونس بأزماتها ومشكلاتها الحالية. فالرجل الذي قاد تونس من وراء ستار عبر السنوات العشر الماضية أثبت فشله سياسيا كما أدت سياساته إلى وقوع كوارث اقتصادية ضربت المجتمع التونسي لا لشيء إلا لأنه لم يترك مناسبة إلا واستغلها من أجل أن يبرهن على اخلاصه لانتمائه لتنظيم الاخوان المسلمين مقدما ذلك على ما يُفترض أن يتمتع به من وطنية تونسية.
ولست هنا الآن في مجال اعادة قراءة التحقيقات الأمنية بما يسمى ملفات الجهاز السري الخاص بحركة النهضة بقدر ما أنا مهتم بما يمكن أن يؤدي إليه استبعاد شخصية مثل راشد الغنوشي من عالم السياسة من فوائد على مستوى تفادي العقبات في اتجاه انفراج سياسي ستكون من خلاله أجهزة الحكم متحررة من الضغط الحزبي وهي تراجع مواقفها استنادا إلى ما يقرره الدستور.
الغنوشي لم يكن على خطأ حين وضع مجلس النواب في خدمة إدارة الأزمة بين رأسي السلط التنفيذية. ذلك ما أملته عليه عقيدته ولم يكن أمامه سوى التنفيذ. لقد وجد من خلال سلطته في مجلس النواب القدرة على أن يفتح أبواب المتاهة. وبدلا من أن يكون مجلس النواب طرفا محايدا جعل منه الغنوشي طرفا مشاركا في الأزمة.
ولأن خبرة هشام المشيشي السياسية ليست عميقة فقد ارتضى لنفسه أن يقع في حبائل الشيخ الذي شعر أن فرصته للقفز إلى منصب الرئاسة صارت قريبة وما عليه سوى الانتظار قليلا ليتحول كل الحطب إلى هشيم. لقد قرر هذه المرة أن يحرق الجميع. لديه شعور بأن الوقت الضيق يمر سريعا وإذا لم ينجح في زعزعة السلطة التنفيذية فإن مشروع اقالته من رئاسة المجلس سيصل إلى هدفه هذه المرة سريعا.
سيُطرد الغنوشي من رئاسة مجلس النواب لذلك من الافضل له أن يستقيل قبل أن يتعرض للمساءلة. وهي الخطوة الثانية بعد اقالته من الرئاسة. لذلك فإن اعتزاله السياسة سيجنبه ويجنب الحركة خطر المساءلة القانونية التي ستضعها في مواجهة اتهامات عديدة سيكون من الصعب عليها الافلات من عقابها.
وكما يقول التونسيون فإن اللحظة الخطأ هي التي أهلت الغنوشي لكي يلعب دورا سياسيا. وهي لحظة فراغ استغلها الاخوان في تعبئة وجودهم الشعبي بالكثير من الشعارات التي أثبت الواقع أنها كانت شعارات زائفة. فتونس اليوم وبعد عشر سنوات من الثورة هي أكثر بؤسا وفقرا وضياعا مما كانت عليه في زمن زين العابدين بن علي. لقد استغل النهضويون هامش الحرية الديمقراطية لتفتيت ما تبقى من الدولة التونسية. فهم حراس مفهوم "اللادولة" الذي يطمحون إلى الوصول إليه تطبيقا لعقيدتهم الاخوانية. وفي الملفات التي كشفت عنها التحقيقات في مسألة الاغتيالات السياسية الكثير من التفاصيل التي تؤكد أنهم كانوا يعملون ضد تونس لصالح انتمائهم الحزبي الضيق.
لذلك فإن من مصلحة حركة النهضة أن يختفي الغنوشي من الحركة السياسية. ينبغي أن يُنسى ذلك الرجل الذي شكل وجوده علامة شؤم. لا لأنه لا ينتمي إلى تاريخ الحياة السياسية في تونس حسب بل لأن وجوده يناقض كل الأطر المدنية التي سعى التونسيون إلى ترسيخها في عصر ما بعد الاستقلال.
الرجل من جهته لم يدع أنه على اتصال بالماضي السياسي للبلد فهو لا يؤمن بالدولة التي كانت قائمة منذ عهد الحبيب بورقيبة. هو عدو تلك الدولة وهو عدو كل دولة تحد من حريته في تقديم خدماته الاخوانية.
استقالة الغنوشي ضرورية من أجل أن يؤدي مجلس النواب أعماله بطريقة صحيحة. كما أنها ضرورية من أجل أن تتحول حركة النهضة إلى حزب سياسي تونسي يقدم وطنيته على أي انتماء آخر.
راشد الغنوشي سيكون رحيلك حلا لكثير من المشكلات.