فاروق يوسف يكتب:
النهضة ضد النهضة والغنوشي يناور في أزمته
هل كان ضروريا أن تحشد حركة النهضة الإسلامية جمهورها للخروج في تظاهرة تملأ شوارع تونس بالصياح بهدف دعم رئيس الحكومة ضد رئيس الجمهورية؟
لم تكن خطوة ناجحة من رئيس الحركة الذي هو في الوقت نفسه رئيس مجلس النواب. فمن خلالها وضع رئيس السلطة التشريعية نفسه وحزبه في خدمة انشقاق خطير قد ينتهي إلى تصدع الدولة التونسية وانهيارها وصراع الشعب في ما بينه.
الغنوشي بكل خبرته الحزبية عبر السنوات الأربعين الماضية لم يكن بحجم منصبه السياسي ولا بمستوى مسؤولياته حين وهب معارضيه ورقة جديدة تُضاف إلى ملفه الجاهز من أجل إزاحته من رئاسة المجلس.
لقد أحكمت حركة النهضة سيطرتها على رئيس الحكومة ووقفت معه في التغيير الوزاري الذي يهبها منافع حزبية كثيرة ويعزز مكانتها داخل الدولة،
كان من الأولى به ألّا يزج بحركته في ذلك الصراع الذي يتمحور حول نقاط دستورية ليس من صلاحية الأحزاب الاقتراب منها أو اللعب بها من خلال تشويش النظر إليها.
ولكن الغنوشي يواجه معارضيه داخل الحركة وهم يزدادون يوما بعد آخر من خلال هروبه إلى مواجهة الرئيس المنتخب قيس سعيد ومناصرة رئيس الحكومة المعين هشام المشيشي. وهو في ذلك إنما يعالج أزمة بأزمة.
ألم يكفه موقفه المنحاز داخل مجلس النواب؟
لا أعتقد أنه يظن أن رسالته من خلال ذلك الموقف لم تصل إلى الرئيس سعيد. كانت رسالته إلى معارضيه في الحركة التي يتزعمها هي الأهم بالنسبة إليه وهي لن تصل بسبب ضعفها.
ما سماه المتابعون بـ”استعراض العضلات” لن يعود على الغنوشي بالنفع. فهو إن أخطأ حين اصطف مع أحد طرفي ذلك النزاع الدستوري فإن دعوته لأعضاء حركته إلى الخروج بتظاهرة منظمة وصاخبة وسط العاصمة التونسية يمكن اعتباره خطأً ينم عن جهله بالأعراف السياسية وأسلوب التعامل من خلال تلك الأعراف مع الأزمات.
ومما يدعو إلى السخرية أن حركة النهضة تتخذ من الأزمات التي يعيشها الشعب التونسي على مختلف المستويات ذريعة لممارسة الابتزاز السياسي، متناسية أنها كانت ولا تزال هي الجهة المسؤولة عن صناعة تلك الأزمات وإدامتها.
لقد حكمت حركة النهضة تونس عبر السنوات العشر الماضية التي تلت سقوط نظام زين العابدين بن علي من خلال استيلائها على الوزارات الرئيسية التي تتحكم بالدولة. لذلك فإنها هي التي صنعت الأزمات العسيرة التي يعاني منها الشعب الذي تستعمله النهضة في استعراضاتها.
فهل تتظاهر النهضة ضد النهضة فيما رئيسها يبحث عن حل لأزمته؟
مفارقة غريبة فعلا أن يخرج الشعب إلى الشارع لنصرة الجهة التي أوقعته في الأزمات. ألا يعني ذلك أن حركة النهضة تتمادى في تضليلها لجمهورها الذي ينظر إلى ما يحدث له من غير أن يملك القدرة على رؤية الحقائق كما هي بسبب العمى العقائدي؟
ما فات الغنوشي أن جمهوره لا يمكن أن يشكل قاعدة للديمقراطية التي شكلت إطارا للتحول السياسي في تونس. فذلك الجمهور اندفع إلى التظاهر بدافع الانتماء العقائدي وليس انطلاقا من الحمية الوطنية. جمهور من هذا النوع لا يمكن أن يفكر في بناء وطن ولن يكون في إمكانه أن يجد صلة بين مشكلاته وبين ما يفعله في خدمة حزبه الديني. إنه على استعداد لأن ينسى مشكلاته ويذوب في ولائه العقائدي.
يروق ذلك الجمهور للغنوشي ليلوح به في وجوه معارضيه داخل حركته المهددة بالانهيار إذا ما فشل مشروعها في البقاء في السلطة. السلطة التي هي جوهر التفافها حول الغنوشي الذي صار أضعف من أن يحتفظ بها.
كان من الأولى بالغنوشي ألّا يزج بحركته في ذلك الصراع الذي يتمحور حول نقاط دستورية ليس من صلاحية الأحزاب الاقتراب منها أو اللعب بها من خلال تشويش النظر إليها
لقد أحكمت حركة النهضة سيطرتها على رئيس الحكومة ووقفت معه في التغيير الوزاري الذي يهبها منافع حزبية كثيرة ويعزز مكانتها داخل الدولة، لذلك لم يكن أمامها سوى أن تكشف عن استخفافها بالقانون الذي تمسك به رئيس الجمهورية.
وفي حقيقة الأمر فقد كان موقف الرئيس سعيد صادما بالنسبة إلى الغنوشي الذي اعتبر نفسه في أوقات سابقة عرابا للدولة التونسية. غير أن ما يزعجه أكثر من عدم التفات رئيس الجمهورية إليه أنه صار مهددا بلائحة إزاحته من رئاسة مجلس النواب وفي الوقت نفسه هناك مَن ينادي بإنهاء زعامته لحركة النهضة من داخلها.
الغنوشي في أزمة، وهي أزمة لا علاقة لها بالأزمات التي يعيشها الشعب التونسي. إنها أزمة شخصية. لا أحد هنا يسأله عن علاقاته الخارجية ولا عن مصادر دعمه، بل عن فشله في إدارة الدولة وقبلها إدارة الحركة التي يتزعمها. وهما أمران مرتبطان. فلو كان قد نجح في وضع قيس سعيد مثلما وضع هشام المشيشي تحت إبطه لما تراجعت أسهمه القيادية في حركة النهضة. ولكن سعيد سيكون العقبة التي لن يجتازها بغض النظر عن دهائه في المناورة.