فاروق يوسف يكتب:
لبنان الراعي في مواجهة حزب الله
ما نفع الجنرال ميشال عون للمسيحيين باعتبار منصب الرئيس الذي يحتله عون من حصتهم وهو واحد من رموز وجودهم السياسي؟ ولكن ما نفع عون للبنانيين كلهم وقد وضع منصب الرئاسة في خدمة حزب تتهمه أطياف واسعة من اللبنانيين بالمسؤولية عن الوضع الرث الذي تعيشه بلادهم وعن انهيار دولتهم على مختلف المستويات؟
سؤالان يجيب كل واحد على الآخر.
ذلك ما دفع البطريرك بشارة الراعي إلى أن ينهي قواعد لعبة لم تعد ذات معنى. فالصمت لأسباب طائفية لم يعد مجديا. لا لشيء إلا لأن الرئيس استهان بعائدية منصبه الرمزي وصار يتبع هواه الشخصي باعتباره تابعا صغيرا لحزب الله الذي قرر أن يحتوي لبنان بعد أن احتوى شيعته.
لقد قطع الراعي الخيوط التقليدية وأعلن صراحة عن موقفه النقدي الفاضح لما يلحقه ميشال عون بالمسيحيين من أضرار بعد أن صاروا كمَن فقد حصته التي أقرها الدستور الذي أقيمت على أساسه دولة لبنان في العصر الحديث.
ذلك موقف لم يتخذه من قبل بطريرك ماروني.
قد يعود سبب ذلك الموقف غير المسبوق إلى أن المسيحيين لم يشعروا في تاريخهم بالخذلان كما هو حالهم اليوم ولم يصل إلى الرئاسة مسيحي يعمل على إذلالهم واهانتهم والتآمر عليهم كما هو حال عون.
حدث أن احتل المنصب رؤساء كان هناك خلاف بين المسيحيين عليهم ولكن ما من رئيس دفع بطريركية بكركي إلى إدانة خنوعه علنا كما لو أنه رئيس مختطف قبل الجنرال عون.
فالرجل لا نفع منه لأحد وهو فضيحة المسيحيين أمام الطوائف الأخرى. انغماسه في الخضوع لحزب الله جعل منه دمية لا يعتز أحد في أن تمثله في السلطة أو خارجها. هناك مشكلات عظيمة سببها حزب الله للبنان واللبنانيين كان على رئيس الجمهورية أن يكون له موقفه الشخصي منها أما أن يلوذ الرئيس بالصمت مكتفيا بعنتريات صهره المحمي والمغطى من قبل حزب الله فإن ذلك يعني أنه أدار ظهره للدولة والشعب وصار اعترافه بالإحسان أشد ضرورة من كرامته.
دخول البطريرك الراعي إلى المعترك السياسي وبشكل مباشر مع تسمية الأشياء بأسمائها انما يشير إلى تحول مهم في المسألة اللبنانية. كان ذلك قد بدأ بدعوته إلى تدويل أزمة لبنان. وهي الدعوة التي قوبلت بضجيج اعلامي لم يكن هناك ما يبرره سوى أن الجهات التي غاضتها تلك الدعوة هي المسؤولة عن خراب لبنان.
يعرف الراعي أن لبنان قد استضعف من الداخل وغزته الأسلحة من الخارج وما لم يتدخل المجتمع الدولي في تفكيك أصول تلك العلاقة الهدامة بين الداخل والخارج فإنه ذاهب إلى مصيره حيث الفناء النهائي.
لقد وهب القانون العام أي الدستور لبنان نوعا من التوازن بشرط أن تكون الطوائف واعية لواجباتها، بعضها في مواجهة البعض الآخر. بمعنى أن يكون رئيس الجمهورية ماروني حقيقي ويكون رئيس الحكومة سني حقيقي ويكون رئيس مجلس النواب شيعي حقيقي.
تلك المعادلة لعب بها حزب الله بحيث صار المطلوب أن يكون رئيس الجمهورية شيعيا بقناع مسيحي وكذلك بالنسبة لرئيس الحكومة ومجلس النواب وكانت الخطوة الأولى في ذلك الخرق ما حدث مع ميشال عون الذي لم تعد مسيحيته سوى قناع.
ميشال عون لم يكن خيارا مسيحيا بل كان بمثابة حل فرضه حزب الله بعد تعطيل دستوري دام سنتين. ولقد أثبت الرجل أنه لم يكن بحجم منصبه. لذلك كان من الضروري أن يقول البطريرك الراعي كلمته ولا يترك الأمر للسياسيين الذين تم استضعافهم وفقدت كلمتهم مفعولها.
ما يحدث في لبنان تخطى السياسية وصار يهدد المجتمع بالتشظي والانقسام والكراهية والشعور بالظلم ومقاومته. لبنان ليس أزماته المعلنة حسب بل هو أيضا أزمته الكامنة التي هي أخطر والمتمثلة بشعور طوائفه بأن الدولة قد سُرقت منها وأن هناك عصابة ارهابية قد استولت عليها من غير أن تملك حقا في ذلك.
بعد ما قاله الراعي في حق الرئيس عون وحزب الله صارت بكركي عاصمة للمسيحيين وصار على حزب الله أن يتفاوض معها إذا أراد أن تكون هناك حكومة في الدولة التي يجب أن يتخلى عن مشروعه في حكمها بطريقة آيات الله. هناك شعب هو الشعب اللبناني وهو غير الشعب الذي قُدر له أن يخضع له بسبب ما مارسه من غسيل للأدمغة.
ما قاله الراعي يكشف لحزب الله خطأ تقديراته. فالخوف لا يصنع شعبا. والتهديد بالسلاح ليس وسيلة آمنة.
كان ضروريا أن يستعيد المسيحيون زمام المبادرة ليستعيدوا لبنان وطنا للجميع.