فاروق يوسف يكتب:
سلام على شواطئ الخليج
بالنسبة لإسرائيل فإن علاقات طبيعية مع دول الخليج العربي لا تنحصر في المسألة الأمنية. فهي إذا ما سعت إلى التنسيق الأمني مع تلك الدول وهو ما ستفعله بالتأكيد فإن ذلك لن يكون إلا جزءا من حزمة مشاريع للتعاون.
اما بالنسبة لدول الخليج وهي التي ترغب في أن تطل على بحيرة هادئة فإنها لا ترى في التنسيق الأمني مع إسرائيل مهما كان نوعه وحجمه إلا جانبا من دوافع القفز على القطيعة وليس كل الجوانب.
وما يتفق عليه الطرفان بالتأكيد أن لا يطغى التنسيق الأمني على العلاقات فتضيع ملامحها وسط الاهتمام بالصخب المزعج الذي تثيره إيران عالميا. ذلك الصخب الذي لا أعتقد أنه سيهدأ يوما ما أو تنخفض مستوياته إلى درجة أنه يكف عن التأثير على أمواج الخليج.
دول الخليج وإسرائيل هما طرفان من ضمن أطراف كثيرة أخرى معنية بالهستيريا الإيرانية وهما أيضا يتأثران بما يمكن أن تفعله إيران على صعيد برامحها التسليحية. ذلك صحيح غير أن الصحيح أيضا أن إيران تسعى من خلال استعراضاتها العسكرية إلى دفع دول المنطقة إلى مزيد من التسلح بما يشبه السباق بحيث تُلهي الجميع عن إقامة علاقات بناءة في ما بينها على المستويات السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية والإنسانية.
إيران المتخلفة بسبب نظامها لا ترغب في أن ترى علاقات مثمرة وذات معنى بين دول المنطقة. ما تحلم به أن يتم استنزاف ثروات تلك الدول في التسلح وليس في بناء الإنسان وخدمة الحياة واستثمار فرص السلام. وهي تعرف أن دول الخليج التي أعلنت عن إعادة النظر بكل مقولات وشعارات الماضي بعد أن شعرت بفراغ مضمونها ماضية قدما في اتجاه المستقبل.
اما بالنسبة لعلاقة دول الخليج بإسرائيل فإن ما يُخيف إيران لا ينحصر في الجانب الأمني فقط بل أنه يمتد إلى جوانب كثيرة هي ليست على استعداد للقبول بها لا لشيء إلا لأن التعاون السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي بين الطرفين سيحدث تحولات حضارية هائلة في المنطقة ستقزم إيران أكثر وستفضح تخلفها على الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية.
أن تنفتح إسرائيل أمنيا على دول الخليج، ذلك أمر ضروري بل وملح في الوقت الذي أثبتت الإدارة الأميركية أنها ليست أهلا للثقة. الإسرائيليون يعرفون السياسة الأميركية جيدا وهم حين يضعون أيديهم على قلوبهم فذلك معناه أن هناك ما يمكن أن يحدث فجأة ويجلب الضرر إلى دول المنطقة. ولأن إسرائيل ليست من النوع الذي يفكر في أن هناك مَن يتآمر عليه فقد كانت حريصة على أن تكون واضحة مع الولايات المتحدة في رفضها التام للعودة إلى اتفاق عام 2015.
في تلك النقطة تجد إسرائيل أن التعاون مع دول الخليج التي ترفض ذلك الاتفاق ضروري. وليس التنسيق الأمني بين الطرفين مجرد ترتيبات عسكرية قد لا تكلف كثيرا ولكنه يتعلق بالموقف مما يمكن أن يحدث لو أن المجتمع الدولي بسبب الضغوط الأميركية المحتملة قد أدار ظهره لإيران وتركها تعيث فسادا في المنطقة.
لا تحتاج إسرائيل إلى إنشاء قواعد عسكرية في دول هي في غنى عن تلك القواعد كما أن دول الخليج تدرك جيدا أن ما يمكن أن تقدمه إسرائيل لا من أجل حمايتها بل من أجل أمن المنطقة لا يحتاج إلى إجراءات تقليدية من النوع الذي يمكن أن يشكل ثقلا على الطرفين ويلقي عليهما التزامات فائضة.
بعد كل هذه المعطيات فإن الحديث عن ترتيبات أمنية إسرائيلية مع دول الخليج ليس له ذلك العمق الذي تتسم به الحالة. فالخطر الإيراني كان جليا بالنسبة لإسرائيل ودول الخليج معا. إيران هي الدولة الأخطر في العالم. ليست الترتيبات الأمنية هي الحل الوحيد. كما أن العلاقات بين الطرفين تخطت ذلك الحل. صار على إيران أن تلهث في السباق فلا تصل.
إيران دولة مغلوبة على أمرها بسبب نظامها الأعمى.
تلك حقيقة ستكون عبئا على دول المنطقة. وإذا ما رغبت الولايات المتحدة في بقاء إيران ماضية في لهائها النووي فإن الحاجة إلى التعاون بين دول المنطقة ستزداد ضرورة. غير أن ذلك التعاون لن يعطل من آلية العمل الحضاري في المنطقة.
لن تتمكن إيران من إيقاف عجلة التقدم مهما فعلت.
ما أخاف إيران في العلاقة بين دول الخليج وإسرائيل سيظل قائما. لن تتمكن شعارات الزيف من إخفاء الحقيقة. فتلك العلاقة لن تُستثمر ضدها ما لم تفرض هي ذلك من خلال تهورها وطيشها وجنونها.