د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حديث الذكريات (7)

للسيول آثار جانبية ضارة كما يحدث في شبوة خاصة في منطقة العوالق أحيانا خاصة عندما تكون السيول جارفة ومتتابعة فتقطع السواقي وتهدم الضلع ( الحواجز الحجرية ) التي تقع على ضفتي وادي يشبم الشمالية والجنوبية وعلى جوانب السواقي العديدة المتفرعة منه على طول الوادي ، كما تقام " لسوام " أي الحواجز الترابية التي تفصل بين القطع الزراعية بعضها عن بعض . وكان أهل البلاد يتعاونون في مواسم الأمطار والسيول في ما بينهم فينهض أصحاب السواقي لإصلاح الأضرار التي تخلفها السيول الجارفة ويذهبون للعمل منذ الصباح الباكر والبعض يتبرع بالمال والطعام ، ومنهم الحرفي والبناء والخبير في بناء الأحجار وإصلاح ما هدمته السيول ومنهم الذي يعمل على البقر بالمحر ومنهم من يقطع الأشجار ويحمل الأخشاب ومنهم من يحمل الحجارة الضخمة لردم اسوام السواقي المنكسرة ونقلها على الحبال القوية المربوطة بإحكام على قطعتين من خشب الساج القوي وتعرف بـ " العش " ويحملها أربعة رجال أشداء على أكتافهم ثم يضعون الحجارة الضخمة في الأماكن المتضررة ويقوم الباني بوضعها بشكل محكم في أسفل المكان المنكسر ثم يضعون فوقها فروع وجذوع الأشجار وتردم بالبطحاء أي الرمل من الوادي , وذات مرة حضرت للمساهمة في تلك الأعمال في ساقية النقوب وكنت في المجموعة المكلفة بإحضار فروع الأشجار وكان يقود المجموعة تلك حسين الماحل وهو رجل كبير في السن ولكنه خفيف الدم سريع النكته ، وبينما كان يقطع الأشجار بفأسه ونحن نسحب الفروع عند قطعها أتى احد الرجال من أصحاب الساقية واخرج سكينه وأخذ يحاول قطع فروع الأشجار بجوار الماحل ولم ينجح فسخر منه الماحل عندما فشل في القطع وقال له : ابعد خل علينا الظولة ..شع ما هي شراك لحم تقطعها بالسكين !!وكان الرجل مشهور بشراء أشراك اللحم كل أسبوع وضحكنا جميعا عليه ، و لم يكن لدى أهل الوادي عمالة خارجية أو غريبة وكل ملاك الطين يتعاونون فيما بينهم ويمارسون كل الأعمال بأنفسهم ويعيدون بناء الضلع والسواقي المهدمة ويصلحون القيود الحجرية التي تنظم تدفق السيول وتشكل مصدات لمنع جرف الوادي أو الأحجار ويصلحون الآبار المهدمة وكل الأعطال الأخرى في الأطيان التي تخلفها السيول , وبعد عمليات الإصلاح تلك يقومون بحرث الأطيان حسب المواسم سواء كانت زراعة الدخن أو الذرة , وهذه المحاصيل في الصيف أما القمح في الشتاء فيتم على المساني وسنأتي على ذكره لاحقا , وكان وادي يشبم يوفر ما يكفي من تلك الحبوب للسكان ولا يستوردونها من الخارج إلا فيما ندر وكان الناس في تلك الأيام يحرثون الأرض وأعمال الزراعة على البقر قبل دخول الآلات الزراعية . وبعد السيول تمتلئ الآبار بالمياه وتفيض العيون من جريان السيول في باطن الأرض وكانت مياه الآبار عذبة ويتم جلبها للبيوت من قبل النساء بالقروب الجلدية حتى تم إيصال مشروع نقل المياه بمواسير إلى بيوتهم مباشرة في منتصف الستينات وللحديث بقية في الحلقة الثامنة .
د.علوي عمر بن فريد