د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (9)
كانت مصادر الدخل لأهالي وادي يشبم تأتي من عدة مصادر ولعل أغلبها كانت تأتي من عدن حيث يعمل أغلب الشباب في الجيش والأمن في عدن وأيضا من أعمال الزراعة في الوادي وكذلك من تربية النحل ، ومن لم يستطع القيام بالأعمال الزراعية يوكلها إلى أحد المزارعين المتمرسين من أصحاب الخبرة من الفلاحين الذين يتقنون الحرث والسقي ولديهم أبقارا مدربه على تلك الأعمال سواء صيفا أو شتاء حتى نهاية الموسم مقابل حصة من المحاصيل يتفق عليها الطرفان ، وتعتمد المحاصيل الصيفية على مياه السيول أما شتاء فتعتمد على المساني من الآبار مثل القمح (البر الميساني ) الشهير في وادي يشبم ، وتتم عملية السقي عادة بثلاثة ثيران قوية ويثبت على ظهورها ما يعرف بالقتب ويتصل بحبال قوية تسمى " السره " بكسر السين وفتح الها ..وتتصل تلك الحبال مع الدلي الكبيره – ومفردها دلو - و تدور على رأس العجلات المثبته على الشرع وهي عيدان متينة وقوية مغروسة على جوانب البئر بحيث تدور الحبال نزولا وصعودا من والى البئر وعندما تطلع الأبقار إلى رأس المقود تكون الدلي قد وصلت الى البئر ويحركها اللاقف حتى يشعر أنها قد امتلأت ويشير إلى الرجل الذي يسوق الأبقار نزولا الى نهاية المقود حتى يستلم اللاقف الدلي واحدا تلو الآخر ويقوم بسكبها في الراحه وتجري في العتم في حين تجلس فتاة صغيرة في نهاية المقود تضع 3 حزم من العلف في فم كل ثور مكافأة له على عمله وهكذا تستمر العملية عدة ساعات تتخللها فترة استراحة للجميع وقت الغداء ثم يعودون للعمل بنفس الوتيرة حتى قبل المغرب بحوالي ساعة .. وتجري المياه في ما يعرف بالعتم وهو ساقية صغيرة يتدفق عبرها الماء من البئر حتى الطين ويدخل إلى المطير وهي أحواض مربعة الشكل ويفتح منافذها رجل مختص بتوزيع المياه وكلما امتلأت مطيرة يسد مدخلها ويصرف الماء إلى المطيرة التي تليها وهكذا حتى يرتوي الزرع والمطيرة حوض ترابي له اسوام صغيرة من جميع الجوانب وله فتحة يدخل منها الماء واذا امتلأت يتم ردمها بكومة من الطين . وترتبط بالزراعة عدة مهن منها : الساني واللاقف والمسقي والمفجح والمجود والبتول والصارب والجاز والشارح واللابج والكيال وغيرها !!
ولم تعرف المنطقة الآلات الزراعية الحديثة إلا في مطلع الستينات من القرن الماضي وخاصة الحراثات ومكائن شفط المياه من الآبار وساعد توفرها على تنوع الزراعة وزيادة الإنتاج في وقت قصير وتم الاستغناء عن الأبقار والطرق التقليدية القديمة ، كما ساعد ذلك على جلب وغرس الشتلات من الفواكه مثل : الليمون الحامض والبرتقال والموز والباباي العمبا والجوافه والرمان واليوسف أفندي بالإضافة إلى كافة أنواع الخضروات ولعل الرائد الأول في زراعة البساتين وأشهرها بستان الشيخ علوي بن صالح بن أبوبكر حيث خصص قطعة زراعية حوالي نصف فدان (150) مطيرة مزروعة بشتى الأنواع المذكورة وله ولبستانه شهرة واسعة وأقام حول بستانه سورا بارتفاع ثلاثة أمتار من الطين ووضع فوق أسواره رزما من الزرب كي لا يتسلق الغرباء إلى البستان وجعل له بابا محكما .. وكان الانجليز يشترون منه باستمرار وبعض الأهالي لجودة انتاجه وسمعته الطيبة كما قامت حكومة الاتحاد الفيدرالي سابقا باستيراد مئات الشتلات الزراعية من أمريكا من البرتقال وبأسعار زهيدة تشجيعا للمزارعين في معظم الامارات الجنوبية سابقا ونجحت زراعة البرتقال نجاحا باهرا في وادي يشبم لاعتدال مناخه وأثمرت خلال سنة من غرسها ثم انتشرت البساتين في يشبم والصعيد ومنها : بستان دحاك وبستان آل صالح بن محسن وبستان سعيد سالم وبستان آل الشمسي وآل لصفوح وغيرها الكثير في يشبم والسفال وغيرها ، ورغم انتشار تلك البساتين فإنها
لم تجد العناية الكافية وخاصة أشجار البرتقال لعدم توفر الخبرة وعدم الاهتمام الكافي وعدم توفر الأسمدة والأدوية وخاصة الرش والتقليم مما عجل بانقراضها خلال 5 سنوات بشكل نهائي في الوادي !!!
وقام الأهالي بشراء المكائن الزراعية ماركة الرستون الأمريكية وركبوها على الآبار وتعمل على الديزل وللحديث بقية في الحلقة العاشرة بحول الله .
د. علوي عمر بن فريد