د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (13).. من الابتدائية إلى المتوسطة
لم تكن المناهج موحدة لكل إمارات الجنوب العربي في الستينات من القرن الماضي ولعل الاستثناء الوحيد هي عدن حيث كانت مناهجها مرتبطة ببريطانيا والهند في أحيان كثيرة ..أما مناهج التعليم في لحج وأبين فتعد من أفضل الإمارات الجنوبية وهما في مركز الريادة !!
أنهينا العام الدراسي في السنة الرابعة الابتدائية في الصعيد العام 1960-1961م ورغم اختلاف المناهج إلا أن امتحانات النقل إلى المرحلة المتوسطة كانت تأتي من الوزارة الاتحادية في عدن وحضر مندوب الوزارة إلى المدرسة وهو الأستاذ محمد ناصر عمير من سلطنة الفضلي ونزل في بيت الضابط السياسي البريطاني المجاور للمدرسة ويوم السبت حضر إلى المدرسة ومعه ظروف مختومة بالشمع الأحمر فيها أسئلة الامتحان وكنا في حدود 10 طلاب في الصف الرابع نهاية المرحلة الابتدائية !!
ومضى اليوم الأول بسلام ..وعندما سألني أبي عن الامتحان الذي كان في مادة الحساب فقال لي :أذكر لي سؤالا ؟؟!!
فقلت له سألونا : أيهما أثقل رطل من الحديد أم رطل من القطن ؟؟
فقال أبي فبماذا أجبت ؟؟ قلت له : رطل من الحديد !! فضحك وقال لي :استغفلوك وخدعوك يا غبي !! أنهما متعادلان نفس الوزن !!
وللأمانة أنا لا أحب مادة الحساب ، انهينا الامتحان في نهاية الأسبوع وغادر الأستاذ عمير إلى عدن يحمل إجاباتنا على أن يتم إبلاغنا بالنتائج النهائية ، وبعد أسبوعين أعلنت أسماء الفائزين كالتالي :
- علي علوي الجفري
- سعيد علي سعيد
- محسن صالح العشلة
- سالم علي لصور
- كاتب السطور
وتم تحديد موعد السفر إلى أبين – زنجبار وتم تأمين سيارة جيب لاندروفر مع صاحبها وسائقها بن نوبه العتيقي وغادرت منزلنا في كورة الهجر برفقة أبي وكنت أحمل حقيبة صغيرة فيها ملابسي وكنا نسير في اتجاه السوق وأنا أبكي وأنظر خلفي إلى بيتنا وأمي وأختي تطلان من نافذة البيت تبكيان وهذا أثر في نفسيتي
وكانت نقطة تجمع الطلبة الناجحين للسفر عصرا أمام محطة بوعبد للبترول القريبة من مبنى إدارة المشيخة ، وأوصى أبي السائق بي لأنني أصغر المجموعة وركبت في المقعد الأمامي وودعت أبي ومن حضر من أقارب زملائي وانطلقنا ...كانت الطريق في ذلك الوقت تمر عبر وادي يشبم و الجبال الشاهقة الصعبة ولا يوجد أسفلت ولا طرق معبدة مما جعلنا نمضي يومين في الطريق وعندما وصلنا جبل العرقوب عصر اليوم الثاني قال لنا السائق : هل تشاهدون البحر الآن ؟
قلنا : نعم .. فقال : أي شخص يشاهد البحر لأول مرة يجب أن ينهق !!
ولم نصدق ذلك ولكن من باب التسلية والمرح نهق بعض الزملاء وواصلنا النزول بالسيارة حنى وصلنا مدينة شقرة على ساحل بحر العرب ثم واصلنا إلى زنجبار عاصمة السلطنة الفضلية.. ولأول مرة شاهدنا عمدان الكهرباء الخشبية وفي أعلاها مصابيح صفراء وكان مشهدا بديعا نراه لأول مرة !!
وفي التاسعة ليلا وصلنا مدينة زنجبار ودخلنا إحدى المقاهي وتعشينا ثم نمنا على سرر من الحبال " قعايد " في ركن من ساحة المقهى ،وفي الصباح الباكر توجهنا إلى المدرسة القريبة من السوق ونزلنا في الساحة الرئيسية للمدرسة وغادر السائق إلى عدن ،وانتظرنا بعض الوقت حتى دخل الطلبة الفصول ثم توجهنا إلى الإدارة وقابلنا المدير الأستاذ شيخ أحمد شيخ السوداني الجنسية وبعض المدرسين في مكتبه وأذكر أننا عندما سلمنا عليهم كنا نقبل أيديهم تبجيلا واحتراما كعادتنا في البلاد مع مدرسينا وكانوا يسحبون أيديهم ويقولون : استغفر الله يا أبني !!
ثم رافقنا أحد العاملين إلى مكتب مدير القسم الداخلي الشيخ والمربي القدير أحمد عمر ثعلب وتم توزيعنا على السكن حسب السن والآن سأذكر لكم تفصيلا نظام ومباني المدرسة .
موقع المدرسة :
تقع على بعد كيلو متر من الشارع الرئيسي والسوق المركزي لمدينة زنجبار ومحيط المدرسة طولا وعرضا في حدود2 كيلو متر مربع وتضم المباني التالية :
من الشرق إلى الغرب ملعب كرة القدم ثم مبنى المدرسة الذي يتكون من دورين يضم الدور الأرضي : الصفوف الأولى متوسط أ وب وج والصف الثاني أ و ب ثم مكتب المدرسين وفي نهاية رواق المبنى جنوبا الكانتين الذي يبيع المرطبات والكيك والعصائر والمثلجات وفي وسط المبنى مكتب المدرسين وبجانبه في البهو مجلات الحائط المدرسية وفي الدور الثاني الصف الثالث متوسط ثم مكتب المدير والباقي سطوح والمدرسة مدهونة باللون الأبيض وعلى طول امتدادها شرقا وغربا هناك أحواض الزهور الملونة الجميلة والأشجار الباسقة الخضراء المتشابكة والوارفة الظلال وللمدرسة مدخلين من الشرق والغرب !!
كما يوجد شارع يتفرع من الخط العام القادم من الكود شمال المدرسة يصل إلى ساحة المدرسة ..وأمام المدرسة من جهة الغرب الساحة العامة الكبرى التي يقام فيها الطابور الصباحي العام للطلبة يليها ملعب الرنج والسلة شمالا ثم نتجه غربا ونجد أمامنا المسرح المطل على ساحة منفصلة بجوار الساحة العامة ومواجهة للمدرسة .. و يقع خلفها مباشرة المسبح ثم ساحة القسم الداخلي وقد زرعت فيها أشجارا معمرة كبيرة وارفة الظلال تسمى المريمر والديمن تغطي الشوارع الترابية للمدرسة ولعل المعمرة منها التي تقع أمام مبنى القسم الداخلي الذي يتكون من 8 غرف 4 منها لكبار السن في الدور الأرضي و4 لصغار السن من الطلبة في الدور الأول وأرقامها من 1 إلى 8 وفي كل غرفة من 20 إلى 15 سريرا ويوجد مغسلة يشرف عليها العم مبروك وهو من حضرموت ويقوم بغسل ملابس الطلبة على مدار الأسبوع ..ولكل طالب عدد منشفتين وطراحتين وكيسين مخدة يتم تبديلهما بالتناوب كل أسبوع وكلها مرقمة ولكل طالب رقم خاص به يعرفه وكان رقمي
(282) حتى لا يستعملها غيره ...ويصرف لكل طالب أسبوعيا شلن واحد وقطعة صابون لايف بوي ومعجون أسنان كولجيت وفرشاة أسنان!!
وبجوار مبنى الداخلية هناك مبنيان شمالا وغربا دورات المياه وأماكن استحمام ..وجنوبا المطبخ وصالة الطعام التي تتسع لحوالي 100 طالب
وأمامها شرقا ثلاث فلل تتكون كل منها من دورين وحوش وتحيط بها من الداخل والخارج بعض الأشجار وهي سكن خاص للمدرسين والمراقب العام للقسم الداخلي وفي المنتصف حديقة للصلاة جميلة فيها شتى أنواع الزهور والأشجار الباسقة ومفروشة بالعشب الأخضر.
مدرسة زنجبار الوسطى للمحميات :
كانت تلك المدرسة تشبه الجامعة في هذه الأيام فيها طلاب من مختلف إمارات الجنوب العربي ولا يدخلها إلا النابهون وفيها قسم داخلي للطلبة الذين يأتون من الإمارات البعيدة .
عند انتقالي إلى مدرسة زنجبار في المرحلة الإعدادية بدأت اقرأ من مكتبة المدرسة قصص: العبرات..النظرات.. لمصطفى المنفلوطي.. ثم انتقلت إلى القراءة لكتاب مثل: محمود أمين العالم .. ساطع الحصري..وطه حسين... وديوان المتنبي.. ومجلة العربي الكويتية.. ومقالات د.أحمد زكي وكتب سلامه موسى..وتوفيق الحكيم..وعباس محمود العقاد..ونجيب محفوظ..ويوسف السباعي.. محمد عبد الحليم عبد الله.. أحمد علي باكثير..عبد الحميد جودة السحار وغيرهم..وفي الأدب العالمي روايات شكسبير مثل: تاجر البندقية.. وقرأت لمكسيم جوركي..
مجلات الحائط المدرسية ::
بدأت رحلتي مع الحرف في الكتابة في مجلات الحائط المدرسية، وفي الجمعية الأدبية بالمدرسة، ومثلت على مسرح المدرسة بالعربية والانجليزية وبكتابة قصص قصيرة في حصة اللغة العربية، وفي المدرسة الثانوية توسعت في مجال القراءة بصورة أكثر فكنت اقرأ كتبا مختلفة في السياسة والتاريخ والتراجم والرواية والشعر الخ.
وبدأت اكتب يومياتي ومذكراتي الشخصية وما يمر بي من أحداث هامة.
رحلتي مع الأدب الشعبي :
كانت بداية رحلتي في هذا المجال على يد جدي الشيخ مذيب بن صالح بن فريد، وكنت أجلس عنده ما بين العصر والمغرب خاصة عندما أعود إلى الصعيد في الإجازة السنوية في فصل الصيف.. كنت اجلس معه بالساعات اكتب وانقل واسمع ما يمليه علي من شعر ووثائق وتاريخ وقصص وأساطير والغاز الخ.. ثم أسلمه ما كتبت في نهاية اليوم.. وكنت أشاركه أحيانا في تصفح بعض الكتب في التاريخ والأدب ومن تلك الكتب، كتاب جواهر الأدب وكان جدي رحمه الله يعلق في هامش بعض الصفحات و ينقد الكاتب بقوله قال الكاتب كذا وكذا.. وقال مذيب بن صالح كذا.. وكذا..
كان رحمه الله موسوعة في التاريخ والشعر وسائر صنوف الأدب ..
والى اللقاء في الحلقة الرابعة عشرة
د. علوي عمر بن فريد