د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
حديث الذكريات (19).. عدن وأيام الزمن الجميل !!
الكتابة عن الماضي هي امتداد للحاضر.. الفرق الوحيد بينهما قد يكون هو حنين الإنسان لماضيه أكثر من واقعه الحالي وخاصة عندما يتقدم به العمر ويحن إلى أيام شبابه وذكرياته، ومن حب الناس للماضي يطلقون عليه "الزمن الجميل" وقد يكون هؤلاء الناس على حق في هذه التسمية عندما نقارن بين سهولة الحياة وبساطتها زمان وتعقيداتها اليوم وخاصة المخاض العسير الذي مرت ولا زالت تمر به بلادنا الجنوب العربي من حروب ودماء وكراهية منذ الاستقلال عام 1967م وحتى اليوم !!
وعندما نرصد الفرق في السلوك والمفاهيم والمعاملة بين الأمس واليوم نجد كل شيء قد اختلف جذريا في التراحم والتآلف والترابط الاجتماعي والبساطة والعلاقات الإنسانية ولا أدري هل السبب هو الناس وجشعهم ومطامعهم وسوء نياتهم تجاه بعضهم؟ أم السبب هو الصراع على المصالح المادية ، أم كل ما تقدم ؟!!
أم السبب هو عصر السرعة و ضريبة التقنية والتكنولوجيا التي قفزت قفزات هائلة في الثلاثين السنة الأخيرة أم هي أحوال الناس التي تبدلت أم ماذا؟
علما أن وضعنا المعيشي والاجتماعي في الستينات كان هو الأفضل عندما كانت أحلامنا تعانق السماء وطموحاتنا لا حد لها في المستقبل وتبخر ذلك كله بعد الاستقلال وما تناسل بعده من حروب وكراهية تحت مسميات " الوحدة" وهي في حقيقة الأمر ضم وإلحاق كان الهدف منها هو السيطرة على الجنوب وأهله وموارده وثرواته وهو الشعب الطيب الذي دمرته المثاليات واستفاق على كوابيس الحروب التي دمرته وقوضت أركانه ودولته ونسفت استقلاله وهذا هو الفرق بين الحلم والواقع، وبين من يقرأ التاريخ ويستخلص منه العبر والدروس ويستنبطها من أحداثه ، ومن يجهله فيكرر أحداثه وسقطاته !!
ومن الطرائف التي رصدت تراجع علاقات الناس ببعضهم شاهدت رسما كاريكاتوريا في إحدى الصحف التي نقلت المشهد: شخص واقف أمام باب فيلا صديقه الذي لم يره منذ زمن طويل وأراد أن يزوره ولكنه تهرب منه وانصرف دون أن يراه !!
هذا مشهد ساخر لتردي علاقات الناس مع بعضها البعض.. في عصر التكنولوجيا ووقع الحياة السريعة !! ومن السلبيات في الزمن الحاضر تراجع العلاقات بين الناس.. فتجد مثلا عمارة تسكنها عدة عائلات ..والجار لا يسأل عن جاره.. لا يزوره.. لا يعرفه.. يسافر.. يمرض ..يموت الخ ولا يعرف عنه شيئا!!!
إذن الكتابة عن الماضي وذكرياته ليست مجرد اجترار لأيام خاليه ولت.. وإنما استعراض لسلوكيات ومعاملات إنسانيه كانت سائدة في مجتمعاتنا بالأمس ونادرا ما نجدها اليوم بل أكاد أجزم أنها قد اختفت و افتقدناها في حياتنا اليوم ، فما هو السبب في ذلك؟!!! لعلنا نجد المواساة لما يجري من تحولات جذرية في حياتنا باسترجاع شريط الذاكرة للأيام الخوالي التي مرت في حياتنا وتعود بنا الذكريات لسنوات العز في الستينات التي عشناها في بلادنا وخاصة عدن عاصمة الجنوب العربي و كانت أجمل ذكريات عاشها الناس في ذلك الزمن الجميل!!
إلى عدن :
نبدأ بشريط الذكريات عن أهم الملامح التي اختزنتها الذاكرة في الستينات حين كنت مع مجموعة من زملائي الطلبة في مدرسة زنجبار الوسطى – أبين ..نقوم برحلة كل شهر إلى عدن لزيارة أقاربنا العاملين هناك في عدة مجالات وكنا ننطلق نهاية دوام يوم الخميس الساعة 12 ظهرا، ونتوجه إلى سوق زنجبار القريب من مدرستنا سيرا على الأقدام ثم نركب في سيارات أجرة جيب لاندروفر إلى عدن ، لا يوجد أسفلت في ذلك الوقت من زنجبار حتى نصل "الكود" ثم تنزل السيارة على شاطئ بحر العرب، والبعض منا واقف أو جالس في السيارة ونسمات البحر تنعشنا حتى في حر الصيف، ومنظر الموج الأبيض – الأزرق يرتفع من عرض البحر ثم يتكسر على الشاطئ بينما سيارتنا تنهب الأرض مسرعة وبعد حوالي ساعة نقترب من مركز "العلم" بوابة سلطنة الفضلي من وإلى عدن وفيه مركز الشرطة و
نمر عبر البوابة ثم نخرج منها بعد وقت قصير بعد سؤال رجال الأمن عن الركاب.. لا يوجد معنا هويات وطنية ولا جوازات .. ولا أوراق ثبوتية كانت كلمة المواطن صدق وشرف شكلا ومضمونا ولا أحد يسألك من أنت؟! طالما سحنتك وهيئتك "جنوبي" لا فرق بين الفضلي والعدني والأرض واحدة أكثر من عشرين سلطنة وإماره سواء كنت من المهره أو حضرموت أو العوالق أو من أي مدينة في الجنوب أنت مرحب بك في بلدك أنت في وطنك أينما كنت وحيثما رحلت وأينما حللت.. .. انه شعور يملأ كيانك بالأمن والطمأنينة والسلام ّوالفخر ونحن نشاهد من مركز العلم جبل شمسان الأشم
وعندما نصل نترجل من السيارة التي تقلنا حسب وجهة كل واحد فينا ..وأنا أنزل عادة أمام بوابة معسكر قوات الأمن الذي كان يعرف ب "شبرد" في معسكر شامبيون لاين – عند أقاربي الذين يعملون في تلك القوات من أبناء العوالق ..وعادة أنزل ابن خالي أحمد عبدالله مجلبع الذي يستضيفني عنده في سكنه الخاص والمستقل داخل المعسكر.. .والمسافة من زنجبار إلى عدن حوالي 60 كيلومترا بالسيارة تعبرها على ساحل بحر العرب .
د. علوي عمر بن فريد