فاروق يوسف يكتب:
ربحت جائزة الشيخ زايد وخسر هابرماس
لست هنا بصدد الدفاع عن دولة الإمارات العربية المتحدة التي يختلف الكثيرون في النظر إلى أسلوب العيش المترف فيها بالرغم من أنهم لا يخفون إعجابهم بشخصية مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
وفي الحالتين هناك شيء يوحي بوقوع معجزة ما.
في الأولى تكمن المعجزة في المزاوجة المدهشة بين الرخاء والتواضع. بين البنايات العملاقة والمساحات الخضراء. بين أحدث التقنيات وبساطة العيش. لم يفسد جانب الجانب الآخر وكلاهما يشير إلى الآخر باعتباره مرآة لإرادة الإنسان ونزوعه إلى أن يضفي على حياته نوعا من مديح الجمال.
أما في الثانية فتكمن معجزة الرجل الفذ والاستثنائي والنزيه الذي قرّر أن يبني دولة حديثة ينتصر شعبها على قسوة الطبيعة وقبحها وعنفها ويباسها وبخلها.
لقد حقق الشيخ زايد واحدة من أعظم معجزات الإنسان في العصر الحديث. لا على مستوى الانتصار على قبح الطبيعة فحسب بل وأيضا على الشر الذي يقيم داخل الإنسان. ولا أقصد هنا أن الإماراتيين أو مَن عاشرهم أناس طيبون بالفطرة بقدر ما أقصد أن هناك نظام حياة يقوم على الانحياز إلى الخير في مواجهة الشر هو ما أسس له الشيخ زايد ووضعه في خدمة شعبه.
لم يكن ذلك النظام فوقيا ولا قمعيا ولا مغرورا ولا متغطرسا وإلا لما امتزج بعاطفة الإماراتيين وانتشر مثل عدوى في عقول ضيوفهم. تلك الملايين البشرية التي تنعّمت بخير الإمارات ورفاهيتها ورخائها وعاطفتها وسلامها عبر الخمسين سنة الماضية وهي عمر هذه الدولة التي استخرجها الشيخ زايد من روحه.
لذلك فإن جائزة تقترن باسم ذلك العبقري لا بد أن يكون مَن يحصل عليها ذا يد بيضاء في خدمة البشرية. فالشيخ زايد هو العنوان الآخر للخير.
مناسبة هذا القول ما دار ويدور من جدل حول فوز الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس بجائزة الشيخ زايد “شخصية عام 2021 الثقافية” وانسحابه منها بعد أن أبدى موافقته على تسلّمها. ولقد وجد البعض في ذلك مناسبة للنيل من الإمارات انطلاقا من جملة عابرة وردت في تفسير هابرماس لانسحابه تتعلق بعلاقة الجائزة بالنظام السياسي.
بعض المثقفين العرب لعب دور شاهد زور في حملة ظالمة غلب عليها طابع الزيف والتضليل من أجل تشويه سمعة دولة عربية استثنائية في انتمائها العضوي للعصر الحديث. وإذا كان هابرماس قد خسر الجائزة فإن أولئك المثقفين العرب قد خسروا ضمائرهم
ولأن النفس أمّارة بالسوء فقد ارتكب المبتهجون عن حمق وبلاهة بذلك الحدث أخطاء كثيرة حين وضعوا صغائر الأمور محل كبائرها وصاروا يتحدثون عن الإمارات كما لو أنها تقع في كوكب آخر وهم وحدهم مَن يعرف ما حدث ويحدث فيها وليست تلك الدولة التي مرت بها الملايين ولم تذق فيها إلا طعم الحب والسعادة.
كان هابرماس الكذبة التي كشفت عن زيف مثقفين عرب لم يدركوا أن الفيلسوف قد تعرض لحملة ترهيب فكري لم يكن بحكم سنه المتقدم وجهله بالدولة التي كرمته قادرا على مقاومتها والتصدي لها.
نعم. لقد هُزم هابرماس أمام حملة مجلة دير شبيغل.
لم يتساءل أحد “لمَ دفعت المجلة الألمانية هابرماس إلى الشعور بالفزع وجعلته يشعر بالخوف من استلام الجائزة من دولة الإمارات؟”.
من المؤكد أن دير شبيغل وهي لا تملك على الإمارات أيّ مأخذ سياسي حقيقي قد وجدت في إكراه رجل بعمر هابرماس وقيمته الفكرية على التعامل بطريقة سلبية مع الكرم الإماراتي نوعا من التنفيس عن حقد مبيّت إزاء تجربة نهضوية عربية حديثة، يشعر جزء من الغرب بالانزعاج منها. ذلك هو الجزء الذي يكره العرب ويريد أن يؤطرهم بصورة الاستشراق التقليدية بعيرا وجواري وصحراء.
أما أن تكون هناك دولة اسمها الإمارات العربية المتحدة يمكن اعتبارها واحدة من أهم معجزات العصر الحديث يقصدها السياح من كل مكان فذلك أمر لا يُطاق وينبغي تعكيره وتفخيخ التفكير فيه.
هابرماس كان ضحية. فالرجل وقع فريسة الابتزاز. صدّق ما قيل له وهو لا يملك الوقت أو المزاج لكي يتأكد من حقيقة ما يجري من حوله. ليس في مقدوره أن يكتشف أنه يمكن أن يكون جزءا من صفقة ابتزاز كبرى يُراد من خلالها جر الإمارات إلى موقع تكون فيه هي الأخرى ضحية.
كان رد مؤسسة الجائزة على انسحاب هابرماس هادئا ومتوازنا. الرجل حرّ في أن يستمر في قبوله أو يتراجع. ربحته الجائزة وهو خسرها. أما بعض المثقفين العرب فإنه لعب دور شاهد زور في حملة ظالمة غلب عليها طابع الزيف والتضليل من أجل تشويه سمعة دولة عربية استثنائية في انتمائها العضوي للعصر الحديث.
إذا كان هابرماس قد خسر الجائزة فإن أولئك المثقفين العرب قد خسروا ضمائرهم.