يحيى التليدي يكتب:
عنصرية شربل.. المسمار الأخير في نعش لبنان
في وقت كان يُنتظر فيه من وزير خارجية لبنان شربل وهبة أن يقوم برحلات مكوكية بين دول الخليج.
من أجل إنقاذ التجارة والأسواق اللبنانية بعد عبث تجار الحشيش والمخدرات في لبنان وحزب الله، وبينما كان عليه أن يوظف كل مهاراته الدبلوماسية -إن وجدت- في إنقاذ الاقتصاد اللبناني المتهالك، فإذا به يخرج في لقاء تلفزيوني ويتحدث بكلام عنصري ومسيء لدول الخليج، حيث اتهمها برعاية "داعش"، وسخر من شعوبها بوصفهم بـ"البدو". نعم لقد صدرت هذه الألفاظ السوقية والسخيفة من الشخص الذي يفترض أنه المسؤول الأول عن إعادة ترتيب علاقات لبنان الخارجية التي لم يبقَ منها إلا النذر اليسير منذ ارتماء العماد ميشال عون في أحضان حزب الله الإيراني لبلوغ قصر بعبدا.
الجميع يدرك أن هذه التصريحات المسيئة التي أدلى بها "شربل" تضرّ لبنان وحده، ومهاجمته لدول الخليج وشعوبها، لن تنقذ لبنان من ورطته، فلماذا يقدم شربل وهبة على مثل هذه السخافات السياسية والسفاهات الدبلوماسية ما دام يدرك أنه يضرّ لبنان وشعبه؟! لقد غلبه سوء تقديره وفساد رأيه، وقلة حيلته أمام أطماع إيران وحزب الله، وظن واهماً أن ما تفوّه به عن السعودية ودول الخليج سيجعله أكثر قرباً ممن يرهنون مستقبل لبنان ويرهنون آمال اللبنانيين بينما يقفون على منابع الاقتصاد وتجارة المخدرات والعبث بالدماء البريئة.
لبنان بشعبه وحكوماته المتعاقبة يدرك الدور الخليجي، والسعودي تحديداً، لحفظ أمن واقتصاد لبنان، فمنذ الحرب اللبنانية عام 1975 حتى اتفاقية الطائف عام 1990 كان الدور السعودي مشهوداً، ولكن يبدو وكأن الوزير "شربل" لا يدرك ذلك ولم يتعلمه قبل حمله حقيبة الخارجية.
الرياض وكل دول الخليج كانت حريصة كل الحرص على بقاء لبنان في الحضن العربي، وألا تجد إيران فرصة للعبث بأمنه ووحدته، ولكن وزراء من أمثال شربل وهبة، كانوا وما زالوا يعملون على تقويض كل الجهود، وتسليم لبنان لحزب الله، تلك الذراع الآثمة لإيران، فشربل وهبة لا تعنيه مصلحة لبنان ولا عروبته، بل كل ما يهمه هو أن يرضى عنه حزب الله، ولو كان في ذلك هدر لكل مصالح الشعب اللبناني وإمعان في فقره وتسلط الخوف والرعب وفقدان الأمان على مستقبله ومستقبل أجياله.
وما يجب أن يدركه "وهبة" وأمثاله أن العروبة بكل تنوّعها قد نبعت من الجزيرة العربية، وأننا استطعنا بسواعد الرجال المخلصين وفي أقل من نصف قرن تحويل الصحراء الجرداء إلى جوهرة خضراء، وبناء مدن تلامس السحاب تطوراً وتنمية، ومن وصفهم بـ"البدو" يفتخرون بأن أفضل مدن العالم العربي وجامعاته ومستشفياته ومصانعه وشركاته وبنوكه هي في بلادهم، ويفخرون بأنهم في المقدمة وفي القيادة وهم البدو. كل ذلك لأننا في دول الخليج لم نسمح للدخلاء ولا للأحزاب ولا الطوائف بأن تعبث بمستقبلنا كما فعل السيد شربل وحزب الله بمستقبل لبنان.
لبنان كان مؤهلاً ليكون دولة نموذجية مزدهرة صالحةً للعيش وصائنةً للكرامة، إلا أن هيمنة فصيل واحد على قراره، واختطاف بلد بأكمله لحساب أجندة خارجية، مع تواطؤ من أطراف خائفة أو طامعة، أسفر عن هذه الدولة التي تقبع على حافة الهاوية منذ حين وتنتظر لحظة السقوط، دولة قدمت لشعبها كل أسباب الهجرة واليأس والموت، ومن العجيب أن السعودية ودول التعاون الخليجي التي هاجمها "شربل" هي وحدها التي تحمل طوق النجاة للبنان، وبيدها أن تنتشله من الهاوية التي ألقته فيها إيران وأتباعها، لكن مع هكذا خطاب، ومع هكذا دبلوماسية، ناهيك عن مسألة دعم مليشيا الحوثي وقضية الصادرات المسمومة، يبدو لبنان كالغريق الذي يقطع اليد الممتدة لإنقاذه.