د. علي الخلاقي يكتب:
لنحافظ على ما تبقى من مخطوطاتنا القرآنية النفيسة
كم هي المخطوطات القرآنية التي أُتلفت أو ضاعت واختفت على مرأى وبصر جيلنا مما كانت تزخر به خزائن ورفوف المساجد ودور العبادة، فحين كنا صغاراً كنا نتصفح مثل هذه المصاحف في كل المساجد، وأذكر أنني في طفولتي لم أكن أجد في جامع خلاقة القديم (مسجد موسى بن عمر) سوى تلك المصاحف المخطوطة، قبل أن تصل النسخ المطبوعة من الخارج، وكان المسجد يضم أكثر من خزانة لتلك المصاحف المخطوطة بخطوط يدوية ، وبالمثل في بقية مساجد البلدة الأخرى، ولكبر حجمها كانت توضع على كراسي مخصصة لها لا تخلو منها مساجدنا القديمة، وكانت تلك الكراسي أيضاً في غاية الروعة، يتفنن النجارون في صنعها ويزينونها بزخارف وأشكال جميلة ويوقفونها لبيوت الله. وللأسف إن تلك المصاحف وكراسي القرآن قد اختفى الكثير منها أو معظمها ، إما بفعل فاعل، أولعدم اهتمام الناس بالحفاظ عليها لجهلم بقيمتها التاريخية، لا سيما بعد أن وصلت نسخ القرآن البديلة المطبوعة في المطابع الحديثة التي استحنها الناس وأهملوا ما بين أيديهم من نفائس مخطوطة، تركوها مهملة، أو عرضة لأيادي عابثة قامت بنهبها وسرقتها لمعرفتها بقيمتها الكبيرة. وما بقي منها للأسف هو القليل، والقليل جداً.
تمتاز نُسخ المصاحف القرآنية، أو ما تُعرف في لهجة يافع بـ(الخَتْمَة) بمميزات خاصة عن غيرها من الوثائق الأخرى ، كالأسجال والمحومرات، ذلك أنها تُكتب مزخرفة بالألوان وبخطوط كبيرة يسهل قراءتها، فضلاً عن تجليدها بغلاف جلدي للحفاظ عليها من التلف بحكم كثرة تداولها بين الناس ، وكان من ينسخون القرآن يحرصون على عدم مخالفة أحرف رسمه أو ضبطه، ولا يرجون من عملهم هذا لا جزاءً ولا شكورا، وإنما ابتغاء مرضاة الله ونيل ثوابه ، وكان انجاز مثل هذه النسخ شرفاً لهم، ولذلك يحرصون على وضع أسماءهم كاملة في نهايته..
ومثال على ذلك مخطوطة مصحف قرية الحصن- بني علسي التي جاء فيها: تم الانتهاء من كتابه هذا الختمة يوم الثلوث مداخل سبعة ايام من شهر الضحية سنة 1277 من الهجرة النبوية على صاحبها افضل الصلوات وأشرف التسليم بخط الفقير الحقير المقر بالذنب والتقصير الفقيه عبدالله عيدروس ابن الفقيه عبدالله احمد بن الفقيه صالح العوادي اليافعي نسبا والشافعي مذهبا والموسطي مكتبا والرشيدي بلدا والمهدعة سكنا ووطنا غفر الله له ولوالديه ووالد والديه وغفر الله لمن أشهد هذه الختمة واعان عليها واجتهد بها وأوصى بها وهو جابر احمد بن احمد ناصر ثم انه أنذر وتصدف بهذه الختمة ووقف بها وسبَّل على مسجد الحصن وذلك في بلد بني علسي الله يتقبل منه ويغفر له ويرحمه، وذلك وقفاً محيماً لا تباع ولا تشترى ولا توهب ولا تُرث لحتى أن الله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين فمن بدله بعد ما سمعه فإنما اثمه على الذين يبدلونه ان الله سميع عليم..
وتذكرنا هذه المخطوطة بمخطوطة نادرة من القرآن الكريم تعود للمهجر الهندي بخط ناسخها صالح بن حميد بن خميس بن محمد بن عبدالله المسكتي، الذي انتهى من نسخها يوم الاثنين11ذي القعدة سنة 1262هجرية، وهي محفوظة لدى صديقي الأستاذ محمد علي بن خلف العبادي، ومالكها هو جدّه الشيخ أحمد بن خلف بن عبدالله بن علي بن عثمان العبادي نسباً والشافعي مذهباً واليافعي وطناً وسار الملك بأرض الهند بلد حيدر أباد. وكان حينها قد خدم في جيش نظام حيدر أباد وحصل على رُتبة (جمعدار) كما ورد في عدد من المراسلات، وكان ثريًا ولديه أملاك عديدة، وله مكانة كبيرة ومؤثرة في حيدر آباد، كما شيَّد بيتًا كبيرًا في مسقط رأسه قرية (الشّبر) حاضرة مكتب الحضرمي بيافع، وما زال قائمًا حتى اليوم، ويعكس بحجمه الكبير ثراء صاحبه في ذلك الوقت.
كما إطلعت على مخطوطات للمصحف القرآني ومؤلفات أخرى بخط يدوي جميل لدى صديقي المهتم بالتراث عادل محمد المعزبي. الأمر الذي يحتم علينا التوعية بأهمية ما تبقى بين أيدينا، فمثل هذه المصاحف المخطوطة جزء أصيل من تراثنا وتاريخنا الإسلامي، وموروثنا الروحي الذي نهل منه الآباء والأجداد، ويجب علينا الحفاظ على ما تبقى منها وصيانتها لتظل ملكاً للأجيال، ومن المكن العمل على تصويرها بآلة الماسح الضوئي وجعلها في متناول المهتمين من خلال توثيقها ونشرها على الشبكة العنكبوتية.