د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
جبل التوباد.. أيقونة الحب العذري
«جبل التوباد»، مثلت واحدة من أجمل قصائد شوقي المسرحية التي كتبها على لسان قيس بن الملوح وابنة عمه ليلى العامريه في مسرحيته الشعرية «قيس ليلى» والتي تقول كلماتها :
جبل التوباد حياك الحيا
وسقى الله صبانا ورعى
فيك ناغينا الهوى في مهده
ورضعناه فكنت المرضعا
وعلى سفحك عشنا زمنا
ورعينا غنم الأهل معا
هذه الربوة كانت ملعباً
لشبابينا وكانت مرتعا
كم بنينا في حصاها أربعاً
وانثنينا فمحونا الأربعا
وخططنا في نقا الرمل فلم
تحفظ الريح ولا الرمل وعى
لم تزل ليلى بعيني طفلة
لم تزد عن أمس إلا إصبعا
هذه القصيدة ترصد قصة عشق ليلى العامرية وابن عمها و عاشقها المتيم قيس بن الملوح، والتي سجلت الحب الخالد بينهما على سفح "التوباد " وهو جبل يقع إلى الجنوب الغربي من مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية، بمسافة 350 كم، وهو قريب من مدينة اسمها «الغيل» وهو الشاهد الباقي على قصة حبهما عام خمس وستين من الهجرة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان !!
تحفل قصيدة شوقي «جبل التوباد» بما تحمله من رمزية المكان ، وتعلق " قيس " به ، بعد أن قهره الحب فهام على وجهه بعدما شطح عقله، و كان يذهب إلى جبل التوباد، فيتذكر تلك اللحظات الشاعرية الجميلة و الأيام التي جمعته وليلى، فيهز وجدانه الشوق والحنين، ويهيم على وجهه في الأرض، وفي إحدى المرات وصل الشام، وحين استرد عقله، نظر من حوله، فوجد بلاداً غريبة عليه، وأناساً لا يعرفهم، فسألهم: «بأبي أنتم، أين التوباد بأرض عامر؟ فقيل له: وأين أنت من أرض عامر؟ أنت في الشام، عليك بنجم كذا فأته حتى تصل إلى أرض عامر فيمضي، على وجهه نحو ذلك النجم حتى يقع بأرض اليمن، وتتكرر معه القصة، حين يرى بلداً غريبة عليه وقوماً لا يعرفهم، فيسألهم عن جبل التوباد من أرض عامر، فيقولون له: وأين أنت من أرض عامر؟ عليك بنجم كذا، فيمضي مجدداً نحو النجم ولايزال كذلك حتى يصل إلى جبل التوباد، فإذا رآه فرح وهلل بأعذب الكلمات وأشجاها وأحزنها بعد أن فارقته ليلى وتزوجت من وردي الثقفي فأنشد يقول :
وأجهشت للتوباد حين رأيته
وهلل للرحمن حين رآني
وأذريت دمع العين لما رأيته
ونادى بأعلى صوته ودعاني
سألت سواد الحي لما رأيته
وأخبرته ما قد جرى ودهاني
فقلت له أين الذين عاهدتهم
حواليك في خصب وطيب زمان؟
فقال: مضوا واستودعوني بلادهم
ومن ذا الذي يبقى مع الحدثان
«جبل التوباد» الذي شهد تفاصيل الحادثة، التي تحكي أكثر من رواية، أنه كان مكاناً أثيراً بالنسبة للعاشقين، يلتقيان فيتناجيان، على قمته، وهو جبل متدرج، سهل الصعود، يرتفع نحو 20 متراً من باطن الوادي، ويمتد طوله قرابة 100 متر، وقد سبق لقيس أن رعى الغنم وهو طفل على هذا الجبل، فتخلد ذكره ويصبح أيقونة فريدة للزمان والمكان تجسد واحدة من أروع قصص الحب العذري بين عاشقين ، والسؤال هو أين نحن من تلك القلوب المرهفة المشحونة بالحب والوفاء والحب العذري الى ذهب إلى غير رجعه وأصبح أثرا بعد عين في عالمنا اليوم ؟!!
د. علوي عمر بن فريد