د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

المهاترات السياسية في اليمن إلى أين ؟؟!!

بعد سقوط الإمامة في اليمن عام 1963م وحكومة اتحاد الجنوب العربي عام 1967م دخل ميدان السياسة كل من هب ودب وما أحد أحسن من أحد !!
وصل الماركسيون إلى الحكم على شكل مليشيات مسلحة وعصابات حزبية مؤدلجة وعززوا نفوذهم بالاغتيالات والتصفيات الجسدية كما حدث في الجنوب ، أو قفزوا على ظهور دبابات كما حدث في صنعاء واغتصبوا السلطة بقوة السلاح بنفوذ عسكري و قبلي معا وشرعنوا لأنفسهم الحكم بين ليلة وضحاها ودغدغوا مشاعر الشعب بالوعود والبيانات الكاذبة والحالمة وأن غايتهم تأسيس حكم ديمقراطي شعبي الخ .. ومن ثم أدخلوا البلاد كلها في سلسلة حروب أهلية وتصفيات جسدية لكل من يعارضهم وبإدامة الأزمات، لا بل أدمنوا عليها وتناسلت على أيديهم الجدالات والسجالات والمهاترات السياسية وأخذت تلك العصابات تسوق نفسها على أنها تملك الحنكة والخبرة والدراية ، وهي أصلا لا تعرف الفرق بين ألف باء السياسة وكوز الذرة ولذلك، تجدها تقاتل على أكثر من جبهة، تارة تجدها تهاجم خصومها ، وأخرى تجدها تهاجم دولا من الجوار الإقليمي أو دولا كبرى ويتم تسويق ذلك في خطاب سياسي مشحون بالعبارات الطائفية والقومية ضد الآخرين من أبناء الوطن وتخوينهم وشيطنتهم وأنهم أعداء الثورة والجمهورية والديمقراطية والوحدة ّ!!
وتمثّل المهاترات السياسية أنموذجا لخطاب سياسي مأزوم بالشخصنة، وتعبر عن محاولة اختزال الوطن والدولة بمزاج الأشخاص الذين تحولوا بفضل وصولوهم إلى السلطة أو عناوينهم الرمزية إلى قادة في بلد يعشق فيه الجمهور الزعامات والذوبان في أوصافهم ومقولاتهم من دون تقييم أفعالهم. ولذلك تكون أغلب مواضيع المهاترات السياسية محاولة استغفال الجمهور من خلال تشتيت أنظار الرأي العام بسجالات سياسية استعراضية عن القضايا الرئيسة والمصيرية التي تتعلق بحياة المواطن، وهنا يتبادل الزعماء الأدوار وحاشيتهم من الأتباع والانتهازيين ويتحول الخطاب السياسي إلى نوع من المهاترات عندما يفتقد المرجعية أو المبادئ السياسية والقانونية!!
وكل زعيم من زعماء المهاترات يريد أن يخبرنا بأنه يملك القدرة على حل جميع الأزمات وبالنتيجة أصبحت المهاترات السياسية واحدة من أهم معوقات وجود زعامة سياسية تؤهلها إلى أن تكون كاريزما وطنية. ولذلك لم تترك المهاترات رمزية وطنية إلا وحولتها إلى مصدر للجدل وحتى التسقيط السياسي؛ لأنها لا تؤدي إلا وظيفة واحدة فقط وهي تفرقة المجتمع وتمزيقه أو الإبقاء عليه ممزقا قبليا و طائفيا وقوميا وحزبيا !!
وبالنهاية لا يمكن التعويل على هذه المنظومة أن تسلم قيادة البلد إلى من يملك مشروعا حقيقيا لبناء الدولة، لأنهم يدركون تماما أن وجود الدولة لا يمكن أن يجمع المتناقضات بين مصالح مافيات حزبية وسلطوية وبين تحكيم القانون في إدارة أمور المجتمع!!
يقول قائل : "يجد اليمنيون أنفسهم اليوم قد دخلوا السنة السابعة من انقلاب المليشيات الحوثية، وتدخل التحالف العربي لاستعادة الشرعية اليمنية ، نجد أنفسنا أمام مشهد يمني أقل ما يمكن وصفه بأنه بالغ التعقيد والصعوبة، خارطة نفوذ عسكرية تتوزع بين أطراف الصراع؛ للمحافظة على وجودها في أي تقاسم سلطوي قادم، بات وضع الشرعية اليمنية اليوم التي جاء التحالف العربي لدعمها شبه ميته ، وتدار الحرب في اليمن بالتقسيط المريح، رغم أن دول التحالف العربي تملك من الإمكانيات، ما يجعلها تحسم الحرب لصالح الشرعية في مدة وجيزة جدا، لا تتعدى بضعة أشهر، فبعد أن تمت السيطرة على الأجواء اليمنية، كان بالإمكان مد الجيش الوطني بالأسلحة الثقيلة، التي تتطلبها المعركة البرية، وإسناده بكافة أنواع الدعم اللوجستي المالي والاستخباراتي"
ونحن نقول إن انعدام الثقة بين التحالف وما يسمى بالشرعية أثبت أن الشرعية مخترقة من النخاع حتى القدم من قبل الإصلاح وبعض التيارات المأزومة المنظوية في عباءة الشرعية التي لا تريد إنهاء الانقلاب الحوثي واستمرار الانقلاب كمصدر للارتزاق بالإضافة إلى ذلك كله هناك عوامل أخرى استجدت أثناء الحرب مما عرقل إسقاط سلطة الحوثيين ومن ذلك تباين الأهداف والرؤى والنتائج من الحرب ومن ذلك مطالبة الجنوب بالانفصال ويحظى بشعبية عالية يقابله مواقف هشة وانتهازية للأحزاب السياسية اليمنية والجنوبية كالحزب الاشتراكي وهي متخمة بالفشل وانعدام الثقة فيما بينها و تفتقر لوحدة الهدف والمشروع الوطني المناهض لانقلاب المليشيات الحوثية، وأصبحت في موضع عجز، عن استعادة الدولة ، اما الشرعية فقد أوكلت مهمة إدارة الحرب وإنهائها، بل حل المشكلة اليمنية برمتها للقوى الإقليمية والدولية، واكتفت برمزية اعترافها بها، كسلطة شرعية، واقتصر دورها على الترحيب بتحركات الإقليم والمجتمع الدولي، وإصدار البيانات المرحبة بها!!
ومن هنا يمكن القول ان حل المشكلة والحرب اليمنية لا يمكن حلها قريبا لأنها مسألة إقليمية ودولية لم تتفق عليها الأطراف بعد .
د. علوي عمر بن فريد