د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

حرية الكلمة بين النقد والقمع !!

في اليمن عامة سيظل خنق الكلمة الحرة وصاحبها من أساسيات بقاء الحكومات المستبدة وهيمنتها على مفاصل الدولة بكاملها خاصة عندما تنشر أبواقها لتلميع صورتها وكأنها من المحرمات ولا يجوز نقدها ومن الموضوعات التي حظيت باهتمام كبير في الأدبيات السياسية الحديثة نظريا موضوع حرية الرأي والتعبير ، وما يثيره من قضايا تتجاذبها رؤى واتجاهات متباينة ويتعرض أصحاب الأقلام الحرة من الكتاب والصحفيين والمراسلين وأصحاب الرأي إلى التهديد المبطن والتلميح بالتخوين وعدم التعرض لأي كيان سياسي مهما طغى وتجبر بحجة الحفاظ على اللحمة الوطنية وطي صفحة الماضي دون مسائلة أو حتى نقد عابر رغم ممارسات بعض أتباعه حتى اليوم أسوأ الممارسات بحق المواطنين ونهب أراضيهم وبيوتهم في عدن واستقوائهم بالسلطات الممنوحة لهم و القمع المفرط ضد من يقول كلمة حق التي تنتهي بصاحبها غالبا إلى السجن وقد يصل العقاب إلى التصفية الجسدية ويتم التكتم على المجرم الحقيقي كما حدث لنبيل القعيطي في عدن ولا زال الفاعل مجهولا حتى الآن !!
و يعتبر نقد السلطة من المحرمات ويجرم صاحبها وغالبا مصيره الموت والحجج والمبررات كثيرة ، ورغم الشعارات الطنانة التي ترفعها السلطات الحاكمة منذ عقود إلا أن حق المواطن في نقد السلطة يعتبر من المحرمات ، ومع الأسف الشديد تقوم السلطات القمعية نفسها بإخراج أدواتها لتدافع عنها وتلميع تاريخها الأسود ولو كانت صفحاتها ملطخة بالدم !‍!
ولنا في الخلفاء العظام رضي الله عنهم تجسيداً آخر لحرية القول والتعبير وحرية الاختلاف والمراجعة، وروح النقد والمعارضة وحين ولي عمر الخلافة خطب ذات يوم فقال: “يا معشر المسلمين، ماذا تقولون لو ملت برأسي كذا” (وميل رأسه)؟ فقام إليه رجل فقال: أجل كنّا نقول بالسيف كذا (وأشار إلى القطع) فقال عمر: إياي تعني؟ فقال الرجل: نعم إيّاك أعني بقولي. فقال عمر رضي الله عنه: رحمك الله، الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا اعوججت قوّمني
ولقد ظلّت سياسات الخلفاء الراشدين واجتهاداتهم وتصرفاتهم موضع نقد ومراجعة، بإقرار من الخلفاء أنفسهم، وبرضاهم وتشجيعهم فهذه سنة رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم، وهذه سنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، لا تمنع أحداً من رأي، ولا تمنع مخالفاً ولا معارضاً من حقّه، بل من واجبه. ولا تجعل أحداً فوق النقد والمناقشة والاستدراك، وكل ذلك مفتوح مسموح به لعامة المسلمين وخاصتهم، بآدابه وضوابطه..
وكل كاتب أو باحث يصيب ويخطئ، فليس هناك كاتب يدوّن نصوصًا سماوية مقدسة، لذا فمن حق أي أحد أن يختلف مع أي كاتب ومع آرائه، ومن حق أي أحد أن يفند أي مقال ويدحض أي فكرة بغض النظر عن مكان ومكانة قائلها أو كاتبها، فالرأى لا يُواجه إلا بالرأى، والحجة لا تُقارع إلا بالحجة، والفكر لا يُرد عليه إلا بالفكر، أما أن يُواجه الفكر والرأى ببلاغ بتهمة الخيانة ، فهذا ما لا يمكن قبوله إن الحق في حرية الرأى والتعبير حق أصيل من حقوق الإنسان، قال يوسف إدريس ذات مرة: «إن الحرية المتاحة في العالم العربى كله لا تكفى كاتبًا واحدًا لممارسة إبداعه بشكل كامل، بعيدًا عن القيود المتعددة التي يفرضها على الكتابة، الاستبداد السياسى، والتصلب الفكرى، والجمود الاجتماعى، والتعصب الدينى». وعندما ننظر إلى ما يحدث اليوم، نلاحظ أن هناك بعض القيود المفروضة على حرية التفكير والتعبير، الأمر الذي يؤثر في النهاية تأثيرًا سلبيًا على حرية الفكر والإبداع.
إننا مع حرية التفكير والتعبير، وإننا نشجع النقد البناء من خلال الطرق القانونية المشروعة، «فلولا النقاد لهلك الناس، وطغى الباطل على الحق، ولامتطى الأرذال ظهر الأفاضل، وبقدر ما يخفت صوت الناقد يرتفع صوت الدجّال»، كما قال الشاعر بيرم التونسى، فالدفاع عن النقد إنما هو دفاع عن الفكر والرأى وعن حرية التعبير عنهما، ذلك أن هذه الحرية ذات مكانة عميقة في حياة الانسان ، وهى من أهم عوامل الخلق والإبداع والتطور والتنمية لديه، ولكن في يقينى أنه ليس من حق أحد أن يعتبر نفسه وصيًا على فكر أو أخلاق أي أحد، كما أنه ليس من حق أي جماعة أن تتوهم أنها حارسة المعبدأو حامية الوطن، ومن ثم تُعطى لنفسها الحق في أن تكفّر الآخرين أو تتهمهم بالخيانة الوطنية، إن الديمقراطية الحقيقية هي التي تسمح بنشر أي رأى، وهى التي تسمح أيضًا بدحض وتفنيد أي فكرة، فمتى يا ترى سيأتى اليوم الذي تؤمن فيه مجتمعاتنا العربية وترتقي إلى مفاهيم حرية الرأي ؟!.
د . علوي عمر بن فريد