عبدالرحمن جعفر الكناني يكتب:
تونس تنتفض: إرحل!
التهب الشارع التونسي من جديد، من أقصاه إلى إقصاه، بهتاف موحد "إرحل" وإندفاع نحو مقرات حركة النهضة، بحرقها أو اقتحامها وحرق أعلامها وإتلاف وثائقها في ولايات عدة، وضعها في مواجهة شعب يحملها هول الكوارث التي ضربت قواعد استقراره أمنيا واقتصاديا واجتماعيا.
مركز العاصمة عزل أمنيا، وحواجز أمنية غير قابلة للاختراق ضربت حول مقر البرلمان، والمتظاهرون لم يجدوا سبيلا آخر لبلوغ مبتغاهم، ووجدوا طرقا مفتوحة نحو مقرات حركة النهضة في عموم الولايات بحشود شعبية كبرى، وجدت مكاتب خالية من شاغليها.
صوت شعبي واحد يدعو إلى إسقاط المنظومة الحاكمة وحل البرلمان المحكوم بأغلبية تقودها حركة النهضة التي اتسعت دائرة خصومتها مع مختلف شرائح الشعب المنتفض دون رجعة حتى تتحقق مطالبه.
بدائل الوقت الضائع في حياة حركة النهضة، لم تعد كفيلة بإصلاح ذات البين، أمام إرادة شعب حدد أهدافه بدقة، وقوى سياسية حاكمة بقوانين دستورية فصلت على مقاس مصالحها، فشلت في وضع برنامج وطني يرتقي بتونس في حياة مدنية وسياسات تنموية تنهض بتطلعاتها الحضارية.
الانتفاضة التي تشهدها تونس الآن، لا يقوى أحد على احتوائها، ولن يعود الشعب إلى مواقعه وهو يرى منظومات حياته تتهاوى بيد تنظيمات سياسية غير متجانسة، تتصارع من اجل مصالحها الضيقة تحت قبب نظام رسمي لم تتفق رئاساته الثلاث على نهج وطني موحد.
أخطاء ترتكب دون هداية، تثير حفيظة شعب يفقد شروط الحياة التي تليق بإنسانيته، لا يرتكبها سياسي يجيد قراءة الواقع وشروط التفاعل معه، لا يرتكبها إلا غرور سياسي يمتلك شروط القوة الحاكمة، ويجلس متصدرا كراسي السلطة، لا يضع في اعتباره غضب شعبي مفاجئ في لحظة مفاجئة تقلب كل الموازين.
خطا ارتكبته حركة النهضة، بدعوة أطلقها قادتها لـ "تفعيل صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد" والتهديد بالنزول للشارع في حال عدم تفعيله من قبل حكومة المشيشي، هذا الصندوق باب خزانة مفتوح لمنح أعضائها أموالا كتعويض عن فترة معارضتهم للنظام السابق، في ظرف يعاني فيه الشعب التونسي من أزمات اقتصادية واجتماعية وصحية، دعوة جعلت من رفضها يصف الحركة بأنها تحكم بـ "منطق الجماعة لا منطق الدولة" وحفزت جموع الشعب بإعلان انتفاضته دفاعا عن مقدرات الدولة ومنع استغلالها.
انتفاضة 25 يوليو 2021 لم تحركها جهات خارجية، رافضة لمنظومة "حكم إسلامي"، بل حركتها أخطاء غير محسوبة نتائجها ارتكبها تنظيم أصولي وضع نفسه بديلا عن الدولة، أسقط منطق الحكم الوطني، القائم على قيادة شعب له الأولوية في تحقيق المكاسب والمنجزات، خرج الآن لاستعادة دولته.
انتفاضة الشعب التونسي، التي تنذر بتطورات أخطر، لم تحتويها إلا قرارات رئاسية بتفعيل المادة 80 من الدستور التونسي، تعطي الرئيس قيس سعيد حق التدخل في ظل هذا الظرف المهدد لأمن البلاد، واتخاذ التدابير التي يراها مناسبة، بعزل حكومة هشام المشيشي العاجزة عن تسيير دواليب الدولة وفشلها في احتواء موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بحل البرلمان واللجوء لانتخابات مبكرة.
قرارات هي آخر ما تبقى لإنقاذ تونس من متاهات لا منفذ لها، تصحح مسارات سياسية خاطئة.