عبدالرحمن جعفر الكناني يكتب:
"راعي" الإسلام السياسي مرفوض في تونس!
ينظر إلى زيارة وفد مجلس الشيوخ الأميركي بشقه الممثل للحزب الديمقراطي الحاكم إلى تونس، بأنها استعلاء على سيادة دولة مستقلة، وسعي للتحكم بتوجهاتها، وتعطيل إرادة تصحيح المسار السياسي استجابة لإرادة شعبية.
برنامج عمل زيارة وفد الحزب الديمقراطي "البرلماني"، يفتقر لمنطق العلاقات الدبلوماسية المنظمة لعلاقات متكافئة بين بلدين، لا تسمح بالتدخل في شأن داخلي سياسي كان أو اقتصادي أو أمني.
قوى تونسية فاعلة في المشهد السياسي الاجتماعي، رفضت هذه الزيارة شكلا ومضمونا، واعتبرتها نوعا من ممارسة الوصاية على بلد مستقل يرفض المساس بقراراته السيادية، وأعلنت عن امتناعها اللقاء به.
الاتحاد العام التونسي للشغل القوة الاجتماعية المؤثرة، رفضت رسميا الاستجابة لطلب هذا الوفد الاجتماع به لمناقشة شأن داخلي تونسي، معتبرة أن هدف الحزب الديمقراطي الأميركي هو ممارسة الضغط على خيارات المجتمع التونسي في تصحيح المسار السياسي الذي تعثر بعقبات المنظومة الحاكمة وتفشي أبشع حالات الفساد في ظل حكمها.
الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، هي الأخرى رفضت اللقاء بالوفد الأميركي، فهي ترى في زيارته ممارسة فرض نوع من الوصاية، ويتبع موقفها العديد من الفعاليات النافذة في المجتمع المدني.
حزب الشعب والحزب الدستوري الحر، الخصم التقليدي للتيار الإسلامي في المنظومة الحاكمة، والداعي إلى إقصائه من خارطة العمل السياسي، تطبيقا لمبدأ دستوري تونسي، لا يسمح بعمل أحزاب ذات توجه ديني أو عرقي أو جهوي تعتمد أسماء مدنية، خصم أعلن رسميا رفض اللقاء بوفد الحزب الديمقراطي الأميركي، معتقدا أن مهمته تنحصر في إعادة حركة النهضة ومعها تكتل الكرامة إلى صدارة المنظومة الحاكمة باعتماد أساليب ضغط غير مقبول.
حزبا أمل بقيادة نجيب الشابي والشيوعي العمالي بقيادة حمه الهمامي العلمانيان، وحدهما وقفا مع التيار الإسلامي، ورفضا إجراءات الرئيس قيس سعيد المستند على المادة 80 في الدستور التونسي، واستعدا بقناعة لمقابلة الوفد الأميركي ومناقشة إشكاليات الوضع الداخلي ومطالبتهما بدعم أميركي لعودة ما يرياه عودة المسار الديمقراطي.
الموقف الرسمي السيادي تجسد في لقاء السفير الأميركي مع وزير الخارجية التونسي تمهيدا لتنفيذ أجندة زيارة أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي، باعتبار دستورية قرارات الرئيس قيس سعيد في وضع حد لفساد منظومة حاكمة جرت البلاد إلى أخطر الأزمات التي تهدد استقرارها ووحدتها.
خطط وإستراتيجيات الحزب الديمقراطي الأميركي الحاكم، المنشئ الحقيقي لمصطلح "الإسلام السياسي" الحديث، هي العمل على تدعيم حضور التيار الإسلامي في المنظومات السياسية كشريك جديد للعلمانية في إدارة حكم بلد إسلامي، يرى فيه من وجهة نظره اعتدالا مطلوبا لتحقيق التوازن، وامتصاص مخاطر الأصولية والتطرف ومحاربة الإرهاب.
إشكاليات كبرى يصطدم بها الوفد الأميركي "الديمقراطي" في تونس اليوم، تعقد تنفيذ مهمته "الضاغطة" في إعادة منظومة تشاركية "علمانية – إسلامية" حاكمة، تعيد تأهيل التيار الإسلامي كلاعب فاعل في المشهد السياسي، أمام قرارات رئاسية لا يمكن التراجع عنها تستند على إرادة شعبية معبر عنها في رفض حكم منظومة فشلت في إدارة شؤون البلاد، والانتقال به إلى الاستقرار الحضاري المنشود.