عبدالرحمن جعفر الكناني يكتب:
"حياة الماعز" سينما تؤلف مشاهدها بسوء النوايا
السينما الجادة شرطها مصداقية الرؤيا خيالا كانت أم واقعا في معالجة قضية ما بمنظار إنساني عقلاني أو فانتازي يقنع المتلقي، الباحث عن فرجة تصل به حد الامتاع بإدراك عقلي أو انبهار بخيال علمي، بعيدا عن نهج تحريضي ضد عرق أو عقيدة يثير ولا يؤثر.
"حياة الماعز" الفيلم الهندي الذي عبر الحدود بحثا عن معضلة يحبكها في دراما سينمائية لها نية التحريض والإثارة بكل ما تحمله من مساوئ ضد العرق والدين، فبركها مؤلفها وجعلها فرجة في مشاهد متحركة بنبض بشري بثير العواطف ويجرح المشاعر ويدين معمما بسوء نيته من يراه صانع المأساة التي تحل بنفر بائس من البشر المتطلع لحياة أفضل.
لم يحمل هذا الفيلم الهندي شهادة براءته من التحريض المفضوح في ديباجته وصياغة مشاهده التي تجاوزت المنطق الإنساني العفوي، وحتى الفلتات المقصودة في لغة الحوار التي تشكك بقدرة الله ورحمته، فعندما يدعو المهاجر الهندي المسلم الله في محنته بالصحراء يتراجع ويقول:
لماذا أدعو الله؟ لو كان الله موجودا لما كنت أنا هنا!
هل كان الإسلام هو المدان في هذه الدراما الهندية بغض النظر عن تفاصيل واقع اجتماعي معاش؟
الوقائع تدور في بيئة إسلامية، وأبطالها المتصارعون طبقيا مسلمون وإن اختلفت أجناسهم ولغاتهم.
فيلم "حياة الماعز" أخذت قصته من رواية "أيام الماعز" لكاتب هندي عرف بإسم بنيامين، ادعى إنها قصة حقيقية وقعت قبل أكثر من ثلاثة عقود في الجزيرة العربية، تتناول حياة مهاجر هندي أجبر على العمل في مراعي غنم معزولة في عمق الصحراء مثل عبد لا يتمتع بأي حق يذكر، قبل أن يهرب رفقة صديقه الهندي على هدى دليل إفريقي عارف بدروب الصحراء، لكن رحلة الهروب لم تكن كما يتمنى، كانت رحلة محفوفة بالمخاطر، مات صديقه عطشا، وابتلعت الرمال الدليل الإفريقي، بعدما جف ريقهما من الدعاء والتوسل إلى الله راكعين ساجدين، وتمكن هو من الوصول إلى الطريق الرئيسي، وينتقل بواسطة سيارة عابرة إلى المدينة التي يقع فيها بقبضة الأجهزة الأمنية، فيودع حبيسا في سجن لثلاثة شهور قبل أن يرحل إلى بلده فاضي اليدين.
اشترى منتج سينمائي هندي يدعى بليسي إيبي توماس حقوق رواية "أيام الماعز" ووظفها كما شاء في فيلم سينمائي اختار له اسم "حياة الماعز" هو من تولى لوحده إنتاجه بدعم شركات أميركية وإخراجه وكتابة السيناريو والحوار، واشتغل على تصويره ما بين عامي 2018 و2022 في صحراء الجزائر الكبرى وصحراء إرم في الأردن وولاية كيرلا بالهند، واختار للعب دور البطولة فيه سوكو ماران وآمالا بول والممثل العماني طالب البلوشي.
بدأ عرض فيلم "حياة الماعز" في مارس/آذار 2024 بمعظم دول العالم وحقق إيرادات وصلت إلى 19 مليون دولار، وتعد أعلى إيرادات يحققها فيلم هندي جنوبي.
يفتقر فيلم "حياة الماعز" للغة سينمائية تقنية معاصرة، إخراجا ومؤثرات أخرى مكملة، فالمخرج بليسي اعتمد أسلوبا كلاسيكيا في العملية الإخراجية، معتمدا على السرد القصصي والتقنيات التقليدية، متخليا عن التطور التكنولوجي في الصناعة السينمائية الحديثة.
"حياة الماعز" واقع في ذهن منتجها الذي سعى إلى بلوغ غايات تفتقر لصدق صناعة سينمائية، ترتقي بذوق المشاهد، لا تبالغ ولا تحرض من خلال زاوية عدسة ضيقة تؤلف مشاهدها بسوء النوايا.