فاروق يوسف يكتب:

إما الديمقراطية وإما جماعة الإخوان المسلمين

أمران لا يلتقيان ولا يتفقان ولا يتوافقان ولا ينسجمان. الديمقراطية تحدّ من حركة جماعة الإخوان المسلمين وتقيدها بالقوانين وتضعها تحت رقابة المجتمع. والجماعة تزيل الديمقراطية من الوجود وتمحوها ولا تترك لها أثرا إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. أما أن تدافع الجماعة عن الديمقراطية فتلك حيلة تحافظ من خلالها على مكتسباتها التي تستعملها في فرض شريعتها على المجتمع الذي يتحول تحت حكمها تدريجيا إلى كيان مسلوب الإرادة.

الديمقراطية بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين هي سلاح تستعمله من أجل أن يبدو وجودها في الحياة السياسية طبيعيا غير أن من بين العوامل التي تجعل وجودها شاذا وسط الأحزاب الأخرى أن الجماعة لا تطرح برنامجا وطنيا للتغيير بقدر ما ترغب في تغيير المجتمع من خلال الانحراف به عن مبادئه الوطنية الثابتة. إنها تعمل على تزوير المجتمع مثلما عملت دائما على تزوير عقول الناخبين وهو ما فعلته في مصر وتونس بشكل لافت.

المدافعون عن الجماعة يرفعون الديمقراطية شعارا لهم. وهو شعار مضلل. لو لم يصطدم الإخوان بالديمقراطية في الحياتين السياسية والعامة لما تعرضوا للغضب الشعبي ولما طردوا بعد سنة حكم يعتبرها المصريون أسوأ سنة مرت عليهم في تاريخهم المعاصر. لقد أخرجت الجماعة في تلك السنة كل ما في كيسها من أفاعٍ وصارت تصادر الحريات على مختلف الجبهات.

لم تكن مصر ولا شعبها مستعدين لتحمل فنون التجريب الإخواني لذلك انقلب المزاج الشعبي مما أدى إلى سحب الشرعية من ممثل الجماعة في الرئاسة محمد مرسي الذي لم يكن رئيسا بل دمية بيد المرشد. تحرك الشعب في إطار ديمقراطي لم تكن الجماعة على استعداد للقبول به لأنه لا يخدم مصالحها. كانت الديمقراطية سلّمها إلى الصعود إلى السلطة وليس مطلوبا أن يستمر الشعب في ممارسة حياته في إطار ديمقراطي.

ديمقراطية الإخوان هي انتخابات تقودهم إلى السلطة. بعد ذلك تبدأ الإصلاحات سعيا وراء قيام الدولة الدينية. هل يُعقل أن يحكم الإخوان دولة مدنية؟ أمر لا يقبله العقل ولا يتماشى مع مبادئ الجماعة. فمَن يرفع شعار “الحكم لله” لا يمكنه القبول بدولة تُحكم وفق قوانين وضعية. فعلى سبيل المثال لا يمكن أن يكون هناك في إيران ولي للفقيه تجتمع في يده كل خيوط السلطة وفي الوقت نفسه هناك دولة مدنية تخضع للقوانين الأرضية.

هناك انتخابات دورية تُجرى في إيران ولكن ذلك لا يعني أن هناك حياة ديمقراطية. ففي الحياة الديمقراطية يكون الشعب هو مصدر كل السلطات أما في إيران فإن الرئيس المنتخب لا يمارس وظيفته ما لم يحظ بموافقة الولي الفقيه الذي هو المرشد الأعلى. لقد سعى الإخوان إلى أن يقيموا النموذج المقابل في مصر. فالمرشد الإخواني كان هو الحاكم الفعلي طوال السنة التي حكم فيها محمد مرسي مصر.

حتى اللحظة هناك مَن يدافع عن شرعية حكم الرئيس الراحل محمد مرسي بحجة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي قام بتحريض الشعب عليه تمهيدا لانقلابه. إنه لعب على الحقائق فإذا كان هناك انقلاب فإنه انقلاب الشعب على الإخوان بعد أن افتضحت حقيقتهم وحقيقة ما يرغبون في القيام به من خلال السلطة.

مارس الشعب المصري حقه في الديمقراطية وطرد الإخوان. بعدها أنفقت المليارات من الدولارات على الإعلام من أجل تسليط الضوء على مظلومية الإخوان وإعادتهم إلى السلطة. كل ذلك لم يجد نفعا.

هل يُعقل أن يحكم الإخوان دولة مدنية؟ أمر لا يقبله العقل ولا يتماشى مع مبادئ الجماعة فمَن يرفع شعار "الحكم لله" لا يمكنه القبول بدولة تُحكم وفق قوانين وضعية

كل تلك الحقائق كانت واضحة في عقل راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة وهي فرع جماعة الإخوان في تونس. لذلك فإنه لم ينسقْ وراء دعايات الديمقراطيين الذين يدافعون عن حركته التي انقلب عليها رئيس الجمهورية قيس سعيد. فبعد أن رحّب الشعب مسرورا بالإجراءات التي اتخذها سعيد لا يقبل الرجل الثمانيني بأن يضحك على نفسه. لقد انتهى عصره. لن ينقذه أحد من دعاة الديمقراطية. إنه يفكر بنجاته الشخصية.

الغنوشي ليس ديمقراطيا وإن كان أكثر قادة الإخوان لعبا على المفاهيم السياسية الحديثة ويُقال إنه الأكثر مكرا ودهاء وإن كنت أشك في ذلك. غير أنه من المؤكد أن الرجل باعتباره إخوانيا كان يفكر في أن هناك دولة ستهب لنجدته وتنقله سالما إلى واحد من فنادقها. في جزء منه كان توقعه صحيحا لكن تحقيقات التمويل الخارجي لا تسمح بسفر المعنيين بالتحقيق إلا بعد أن تنتهي التحقيقات.

ليست الديمقراطية في تونس في خطر. لقد هُزمت حركة النهضة وبان هزالها على المستوى الشعبي. المضحك في الأمر أن الديمقراطيين يدافعون عن حركة تخلى زعيمها وأعضاؤها عن الدفاع عن سيرتها الأولى في الحكم.