فاروق يوسف يكتب:

حفلة الجنون قادمة.. سنضحك أو سنبكي مثلما نشاء

ليست طالبان هي القضية ولكنها السؤال وليست هي المبتدأ لكي نبحث عن خبره. لقد بدا استيلاء حركة طالبان على كابول كما لو أنه مسألة إجرائية ولم يكن يهمّ الولايات المتحدة سوى أن تضمن أمن المطار لكي تتمكن من إجلاء ما تبقى من قواتها والمتعاونين معها من الأفغان.

انسحبت القوات الأميركية ولم تُهزم. لا نصدق ولا نريد أن نصدق وليس المطلوب أن نصدق. طالبان من جهتها كانت تأمل أن تبقى الحكومة في كابول لكي تتفاوض معها على تقاسم السلطة حسب اتفاق الدوحة غير أن الحكومة لم تلتزم بذلك الاتفاق وهربت حاملة معها ما خف ثقله وغلا ثمنه. اضطرت الحركة حينها إلى أن تدخل بمسلحيها إلى العاصمة لكي لا تعم الفوضى.

هل كانت نهاية مأساوية لعشرين سنة من الأمل أم أنها بداية لعصر جديد، تكون الولايات المتحدة قد وضعت معادلاته بعد الاتفاق مع طالبان على أن تكون جزءا من تلك المعادلات الإقليمية التي لن يكون العالم العربي في معزل عن تأثيراتها العاصفة؟

أفغانستان لن تكون إيرانا ثانية. ذلك مؤكد. غير أنه ليس من المؤكد ألا يكون الجنون واحدا

لقد عقدت الإدارة الأميركية اتفاقا مع معتقلين سابقين لديها على حل ينهي المسألة الأفغانية بطريقة لا غالب ولا مغلوب. على الأقل من غير فضائح. ولكن البعد الاستراتيجي ليس غائبا عن ذلك الاتفاق. فمهما فعلت إيران لاسترضاء حركة طالبان فإن عليها أن تنتظر عدوا جديدا واقفا على حدودها. بغض النظر عن المفردات المقدسة التي تجمع بين الطرفين فإن تفسير تلك المفردات هو ما يصنع جدارا هائلا بينهما. قرآنكم ليس قرآننا وإن كان يشبهه ونبيكم ليس نبينا وإن كان واحدا. هذه نتيجة ليست سارة ولكنها طبيعية.

لن تكون أفغانستان إيرانا ثانية. ذلك مؤكد. غير أنه ليس من المؤكد ألا يكون الجنون واحدا. هناك مجانين سنة وهناك مجانين شيعة على الطرفين. ليس عليك سوى أن تغرف من هذا النهر أو ذاك.

هل الشعب الأميركي سعيد بسعادة حكومته وهي تتخلص من عبء ثقيل؟ قال الأميركان بوضوح “لم نذهب إلى هناك لكي نبني دولة” ما يعني أن الدولة التي انهارت مثل بيت من ورق بناها الأفغان. أما في ما يتعلق بالجيش والذي يُقال إن الأميركان أنفقوا عليه مئات المليارات فقد كان حكيما ووطنيا حين رفض القتال والتورط في حرب أهلية جديدة لربما حلم بها الأميركان من أجل أن تُنسى هزيمتهم الماكرة.

وفي كل الأحوال فإن أفغانستان ليست شأنا عربيا. يوما ما اهتم العرب بأفغانستان بطريقة مريبة وكان من نتائج ذلك الاهتمام أن ظهرت سلالة من الإرهابين أطلق عليهم لقب “الأفغان العرب”. كانوا مكروهين في أفغانستان ومنبوذين من بلدانهم. كانوا طفيليين أكثر مما يجب غير أنهم عرفوا كيف ينظموا صفوفهم وينخرطوا في صفوف التنظيم العالمي للإرهاب.

تلك علاقة عربية سيئة بأفغانستان ستكون طالبان في غنى عنها في مستقبل أيامها التي يظن البعض أنها ستكون مزهرة. ما يُشاع على لسان البعض أن نسخة طالبان 2021 هي غير نسخة 2001. ذلك كلام فارغ ولا يستند إلى أي حقائق على الأرض. في أيامهم الأولى وجهوا الرصاص إلى متظاهرين عزل، تهمتهم أنهم حملوا علم أفغانستان الذي ألغته الحركة قبل أن تعلن استلامها لزمام الحكم.

“لنرى ما الذي ستفعل” قالها غير مسؤول أوروبي. جملة يغلب الخبث فيها الغباء. غير أن المؤلم حقا أن يدير الأوروبيون ظهورهم إلى الشعب الأفغاني ويعلنون صراحة أنهم يضعون حركة طالبان في اختبار علاقتها بتنظيم القاعدة أو أي من التنظيمات الإرهابية التي يمكن أن تمارس نشاطا إرهابيا على الأراضي الأوروبية. فإن نجحت في ذلك الاختبار فإن كل ما ستفعله سيكون مقبولا. 

سيقول الأفغان “إن أميركا خدعتنا، أوهمتنا، خانتنا وضحكت علينا”. ولكن ماذا عن أوروبا؟ ما الذي يدفعها إلى الدخول إلى حفلة، كل ما فيها يوحي بالفجور؟ ذلك درس قاس سيكون على العرب أن يتعلموا منه أشياء كثيرة، فليس من المستبعد أن يُزج بهم بطريقة أو بأخرى في المشهد الأفغاني أو يمتثل البعض منهم لمقولة “عدو عدوي صديقي”. إن أراد العرب المحافظة على ما تبقى لديهم من بُنى تربطهم بالحضارة الحديثة فعليهم الابتعاد عن المسألة الأفغانية كليا وبطريقة قاطعة. سيكون الإيرانيون حذرين في التعامل مع الفخ الأفغاني. وما على العرب سوى أن يكتفوا بالنظر.

حفلة الجنون قادمة وليس واجبا على المرء أن يلبي الدعوة لحضورها.