محمد أبوالفضل يكتب:
دعوة ملغومة لاستقبال لاجئين أفغان في مصر
أعلنت بعض الدول عن استعدادها لاستقبال عدد من اللاجئين الأفغان لأسباب سياسية وإنسانية، وحثت قوى غربية على ذلك لدواعٍ متباينة، بينها محاولة مداراة خيبتها أو التخفيف من وقعها وترسيخ فوبيا طالبان وأفكارها المتطرفة بعد سيطرتها على الحكم.
في هذا السياق، جاءت دعوة مثيرة للانتباه في مصر الجمعة، من قبل رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، حيث كتب على صفحته الخاصة على تويتر التي يتابعها نحو 7.5 مليون شخص “اقتراح: هل يمكن أن نستضيف عددا من اللاجئين الأفغان الهاربين من حكم طالبان في مصر؟ السؤال للجميع، ما عدا إخوان مصر”.
لم يمر الاقتراح بصورة عادية أو على سبيل الفانتازيا السياسية، لأن ساويرس درج على طرح بعض الأسئلة الصعبة والمسكوت عنها، ويتابعه الملايين على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة ويتفاعل معهم ويتفاعلون معه بجدية. وتباينت الردود التي لامست جانبا من الهموم المصرية المتعلقة باستقبال الملايين من اللاجئين من دول عربية مختلفة في السنوات الماضية.
لم تمثل استضافة اللاجئين العرب في مصر عبئا اجتماعيا في أي وقت، وغالبية هؤلاء انصهروا في المجتمع بلا مخيمات في الصحراء ويُعاملون مثل المواطنين في غالبية الأمور الحياتية، ووصلوا البلاد بطريقة عشوائية ولم يتم توظيفهم سياسيا، وهم يشكلون موزاييك لا يفرق بين مؤيدين ومعارضين للأنظمة الحاكمة في الدول التي انحدروا منها أو الجماعات التي تتقاتل للوصول إلى السلطة فيها.
تشير المسألة بالنسبة إلى الأفغان إلى مشهد مختلف في معظم تفاصيله، لأن اللاجئين المنتظرين، حسب دعوة ساويرس، من هوية – هويات اجتماعية غير معتادة ومن المناهضين لحركة طالبان المتشددة.
ربما تكون مصر استقبلت في عقود سابقة هجرات من دول أوروبية للاستقرار فيها لدوافع متباينة، وبحكم الثقافة “الكوزموبوليتانية” المتنوعة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، إلا أن الأفغان بعيدون جغرافيا والتطورات التي تمر بها دولتهم سوف تجعل لاستقبالهم في هذه الأجواء مكونات سياسية بعيدة التأثير.
قد يكون رجل الأعمال المصري قدم مقترحه بحسن نية وحاول جس نبض الدولة المصرية والمواطنين معا انطلاقا من وازع إنساني أكثر منه سياسي، وقد يكون أراد الاشتباك بجماعة الإخوان واستنفارها لمعرفة موقفها، حيث أنهى دعوته بعدم رغبته في مشاركتهم لمقترحه (السؤال للجميع ما عدا إخوان مصر)، في إشارة تحمل استفزازا للرد عليه وليس العكس.
تتحمل مصر استقبال المزيد من أفواج اللاجئين من جنسيات عدة دون تخطيط مسبق أو ضمن رؤى سياسية معينة، وسمعتها في هذا المجال تؤهلها، لكن استقبال أفغان يفرض عليها حسابات دقيقة، لأن الاقتراح الافتراضي جاء ضمن حملة لاستقبال لاجئين جُلهم من المعارضين لطالبان، ما يضفي عليهم حسابات سياسية أرادت القاهرة ذلك أم لم ترد.
تعد مصر من أكثر الدول اهتماما بما يجري في أفغانستان، وعانت كثيرا من ارتدادات سابقة في مجال مكافحة الإرهاب وما يسمى بالعائدين من أفغانستان، عندما استقبلت روافد من المتطرفين الذين قاتلوا مع جماعات جهادية عديدة ثم انخرط بعضهم في صفوف طالبان، ومثلوا تحديا للدولة المصرية.
ينطوي اقتراح ساويرس على رسالة ضمنية عميقة، فاستقبال أفغان رسميا يوحي بالتغير في مصر وأنه لن يتسرب إليها متطرفون جدد، وعلى استعداد لاستضافة لاجئين معتدلين، وهو ما يضعها في مواجهة مبكرة مع طالبان التي تريد تقمص دور حركة تتسم بقدر من المرونة في العلاقات الخارجية، وعدم رغبتها في تصدير العنف.
تلفت دعوة رجل الأعمال النظر إلى أن أفغانستان قد تعيد تكرار مواقفها السابقة والتعامل مع معارضيها بالقسوة اللازمة، ما يعني تفريغ الدولة منهم وتهيئة المجال أمام طالبان للسيطرة على الأوضاع بأريحية، وفي النهاية تنطوي على إقرار بالأمر الواقع، فإذا استقبلت كل دولة عددا من الرافضين لحكمها فمعناه تمكينها بسهولة من مفاصل الدولة.
الجزء الغاطس في الاقتراح أن استقبال مصر أو غيرها لاجئين هل المقصود به إنقاذهم من أخطبوط الحركة الذي يطوق أعناقهم أم تدريبهم ثم إعادتهم، فإذا كانت الإجابة للإنقاذ فهذا يمثل حلا مؤقتا، لأن هناك الملايين الذين لن يتمكنوا من الفرار، أما التدريب فهذه قصة لم تتورط فيها مصر من قبل مع الملايين من اللاجئين الذين استقبلتهم، وإذا صح هذا الاستنتاج سوف يقلب المعادلة من خانة العائدين من أفغانستان إلى العائدين إليها.
يحمل استفتاء ساويرس الذي أجراه مع متابعيه إشارة ضمنية إلى أن مصر يمكنها استقبال مجموعات من الهاربين من جحيم الحروب في دول مختلفة، في وقت تضج بأزمة سكانية حادة، ولديها ما يكفي من اللاجئين العرب ما يضاعف مشكلاتها، لأن الأفغان لن يأتوا كسائحين أو مستثمرين أو مستقرين، ومهما كانت مساعدات الأمم المتحدة والدول الكبرى سخية فهؤلاء وغيرهم يحولون مصر إلى بلد مستقبل للمهاجرين، وطارد للمواطنين فهناك الكثير من المصريين الذين يريدون الهجرة.
مصر تتحمل استقبال المزيد من أفواج اللاجئين من جنسيات عدة دون تخطيط مسبق، وسمعتها في هذا المجال تؤهلها، لكن استقبال أفغان يفرض عليها حسابات دقيقة
توحي الدعوة – الاقتراح في المجمل إلى ارتفاع مستوى الأمن والاستقرار في مصر، وعمق التحولات التي مرت بها في الأعوام الأخيرة بعد أن تخلصت من حكم الإخوان وقوّضت وجود المتطرفين، وهي رسالة إيجابية يمكن تثمينها، لكنها غير كافية لتبرير استقبال أفغان هاربين من حرب أهلية متوقعة وبالتالي سيكونون من المحملين بإرث وأعباء قاتمة وهم على بعد الآلاف من الكيلومترات.
يؤدي اشتباك سياسي من هذا النوع إلى الزج بالقاهرة في مواجهة غير راغبة فيها، فقد اعتادت تنحية أوضاع اللاجئين على أراضيها من معادلة المعارضة المتكررة التي تنشط في الخارج ولم تضبط على الأقل في العقد الأخير بأنها تستقبل لاجئين لأغراض تمكنها من الاستفادة منهم ضد بلدانهم الأصلية.
يبدو الوضع بالنسبة إلى الأفغان مثيرا، فلا توجد قواسم مشتركة ثقافية أو اجتماعية مع مصر، ولذلك يمكن أن يصب في منحى انتقامي من طالبان والمتحالفين معها ويُفهم على أنه رد على وجود العديد من المصريين في أفغانستان عاشوا وتدربوا وباتوا من العناصر الرئيسية في الجماعات الجهادية، بعضهم عاد إلى مصر ومنهم من ينتظر.
لذلك لن يجد اقتراح ساويرس آذانا صاغية، وربما يتم التعامل معه في إطار العصف الذهني الذي اعتاده الرجل وغرامه بطرح تساؤلات محرجة ومعرفة توجهات الرأي العام في قضايا ذات حساسية مفرطة، حيث تصلح هذه الدعوات المفخخة في التعرف على مزاج الرأي العام الذي يؤثر على خيارات الحكومة في بعض الأحيان، لأن مصير الأفغان وطالبان هو سؤال الساعة في العالم حاليا.