فاروق يوسف يكتب:
لبنان في حالة كسوف
لم يعد هنالك شيء مخفيا في لبنان. صار كل شيء مكشوفا. الفضيحة تمشي على قدمين ولها فم يطلق المواعظ ويقدم النصائح بخبرة الكهنة والعرافين. ليس هناك ما يُستحى منه في ذلك البلد الذي تآكلت فيه القيم الأخلاقية لدى الطبقة السياسية التي يُفترض أن يتعرف العالم الخارجي من خلالها على مصير الشعب.
يبدو لبنان بلدا مخطوفا. نزع خاطفوه أقنعتهم بعد طول خداع ومكر واحتيال وها هم يمارسون ابتزازا يُمكن أن يُمارس خارج الدول وفي خفية عن القانون ومن غير أن يتبجح أحد به أمام الآخرين لما يشير إليه من عار. لبنان حالة شاذة. دولة علقت أعمالها ولم تعد قادرة على التعريف بنفسها خارج حدود التخاطب الدبلوماسي الذي لم يعد في كثير من الأحيان دبلوماسيا بسبب انهيار ثقة العالم بكل ما في لبنان.
لبنان العاجز عن تأليف حكومة سيكون بعد أشهر من غير رئيس. ولكن ما نفع ميشال عون رئيسا؟ عون رجل عاجز ولكنه يتعامل بخبث مع وظيفته بحيث صار عقبة أمام أي تحول في الممكنات مهما كان ذلك التحول صغيرا. عون يمارس صلاحياته من خلال نافذة صهره جبران باسيل، الرجل الذي أسرع بلبنان إلى الهاوية أكثر من غيره. يعرف الجميع أن الجنرال مجرد دمية يحركها حزب الله الذي يرى في باسيل مستقبل التمثيل المسيحي في حكومة، ينبغي أن تكون تابعة لإيران استعدادا لحروب مستقبلية ستشهدها المنطقة.
لبنان ميؤوس منه بعد أن كان سيء الحظ. لذلك فحين يقول جوزيف بوريل الممثل الاعلى للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في رسالته إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إن لبنان في حالة كسوف انما يصف الوضع الحقيقي الذي انتهى إليه لبنان، بلدا محتلا لا ينفع معه أن يعزف الأوروبيون عن ذكر حزب الله باعتباره الخطر الأكبر الذي يهدد مصيره خشية من أن يستشرس ذلك الحزب أكثر ويعلن عن قيام الحرب الأهلية التي يخطط لها.
لبنان في حالة حرب مؤجلة. هو اليوم من غير كهرباء ولا ماء ولا دواء غير ان المسافة بين مَن يمد يد العون له ومَن يريد أن يجبر العالم أن تكون تلك المعونة خاضعة لشروطه لا تزال طويلة. هناك أجندة إيرانية تقف وراء الفخ الذي ينصبه حزب الله للعالم من خلال تجويع اللبنانيين ودفعهم إلى أسوأ درجات اليأس. الطريق إلى نصرالله واضحة وعلى مَن يسعى إلى انقاذ شعب لبنان أن يسلكها وهي التي تقوده إلى إيران. لمَ لا يذهب العالم مباشرة إلى إيران من أجل انقاذ لبنان؟
لبنان اليوم هو مجرد حقيبة رسائل لا يزال الغرب يتردد في فتحها. جرب ماكرون أن يكون صديقا أبديا وفشل. سحبت السعودية يدها بعد أن عرفت أن تلك الحقيبة ملغومة. إسرائيل نفسها لا تريد التورط في لبنان فهي تعرف أنه الكمين الذي نُصب لها من أجل أن تخرج إيران منتصرة. ما من أحد يمكنه أن يمد يده إلى لبنان خشية أن تنفجر تلك الحقيبة في وجهه. لا يبعث الإيرانيون رسائل إلا باللغة التي يفهمونها وهي لغة الموت.
هل صار لبنان مجرد رسالة إيرانية؟
كل المشكلات في ذلك البلد المنكوب تعود إلى أنه لا يملك حكومة حقيقية، مستقلة وغير خاضعة لنفوذ حزب الله الذي وضع لبنان في المقلاة الإيرانية من جهة ارتباطه بإيران ومن جهة دوره القذر في الحرب السورية. اليوم صار من الصعب الفصل بين لبنان وحزب الله. فكل الذين يبحثون في مسألة تشكيل حكومة لبنانية لابد أن يصطدموا بعقدة حزب الله. وهي عقدة لابد أن تقود إلى التعامل مع ذلك الحزب الذي يعد تنظيما ارهابيا. ولكن حزب الله يأمل اليوم أن يكون شبيها بحركة طالبان بالنسبة للولايات المتحدة ومن ورائها الغرب.
لبنان إذاً في حالة كسوف حسب الوصف الدبلوماسي الأوروبي. دولة ميتة تتحكم بها قوى اللا دولة وليس هو دولة فاشلة يمكن انقاذها عن طريق حكومة ملفقة تتراضى من خلالها الأطراف الطائفية. ذلك كله صار من الماضي. فهل سينجح العالم في انقاذ لبنان من غير أن يحدث انقلاب داخلي فيه؟ تلك نظرية يمكن أن يتبناها حزب الله مستعينا بالرؤية الإيرانية لمستقبل المنطقة. ولكن شيئا من ذلك لن يحدث.